×
محافظة المدينة المنورة

رياحاً جنوبية نشطة مثيرة للأتربة على وسط المملكة

صورة الخبر

محمد المزيني في أقل من ثلاثة أعوام تداعت الأحداث في العالم العربي في شكل خطير، حتى بات الأمر خارجاً عن السيطرة وبعيداً عن المعقول، وكأن ثمة من رتّب لأحجار الدومينو لتسقط الواحدة تلو الأخرى، من بينها دول كنا نخالها صامدة وقوية بقوة الأنظمة الحارسة لها أو الباطشة بشعوبها، ولو بحثنا عن قواسم مشتركة بين جميع أقطار العالم العربي التي قد يؤتى من خلالها وتقدح شرارة ثورة محتملة لوجدناها موزعة عليها بنسب متفاوتة، بمعنى ليس هناك بلد عربي يثق تماماً بقوة مناعاته ودفاعاته الحازمة ضد أدنى تسلل لجرثومة الثورة، وأي ادعاء يحاول تفنيد ذلك هو خداع للعقل والنظر ومجافاة عن عين الحكمة والصواب، فكل بلد عربي لديه طوائف وعرقيات مختلفة، حتى لو حاولنا التغاضي عنها والتقليل من شأنها فهذا لا يعني تهميشها والتقليل من شأنها. كما أن اتساع الرقعة الجغرافية لبعض الدول يعد عبئاً أمنياً كبيراً، ولاسيما المناطق الحدودية المفتوحة على بؤر الصراع. كما تعاني الدول العربية جميعها من فساد أخذ يستشري بين أواصرها حتى وصل إلى القضاء والتعليم، وهذا مؤشر خطر يشي بسقوط القيم، ليصبح الإنسان مفتوحاً على كل الاحتمالات، مدفوعاً بجشع مادي، فالإنسان الذي كان ينظر إليه مثالاً في مسؤوليته وواجباته، إذ كان قبلُ يؤديها على الوجه الأمثل بتفانٍ وإخلاص هو اليوم لا يجد غضاضة في أن تمتد يداه لسرقة مقدرات الوطن.. لن يتردد في بيع الوطن بمزاد علني بدم بارد وشعاره أن مال الدولة حلال، فهو إما لك أو للذئب، ومقولات تُردد تبريراً للسرقة مثل: غيرنا يسرق ويرتشي فلمَ نحرم أنفسنا وأبناءنا؟ وقد رأينا في بعض الدول العربية كيف تجيّر الصفقات بأموال طائلة من تحت الطاولة لأسماء بعينها؟ ثم كيف تسند المشاريع من الباطن إلى شركات ضعيفة. ومن القواسم المشتركة أيضاً جبهات المعارضة الداخلية والخارجية منها، سواء كانت خفية أم معلنة، وكلها تمتلك استراتيجيات وتكتيكات للحركة عند أدنى هزة، منها استشراء حال البطالة والفقر غير المبررين، فالمواطن البسيط الذي لا يمتلك منزلاً هو مواطن بلا وطن، وسيكون عرضة لأي استقطاب يأتيه مدفوع الثمن، فليس لديه ما يخسره، وهو يرى ما آلت إليه القيم من هشاشة مستوى التطبيق، فأولئك الذين ينادون بها ليسوا سوى تجار كلام يبيعونه لأقرب مشتر يزايد عليه حتى بالدين. هذه الأوبئة متى تفشت ستعطل قدرات أقوى دولة عربية، وستعجزها عن ملاحقتها ولن تستطيع فعل ذلك إلا من خلال أنظمة متطورة قادرة على التعامل معها. قد لا تستطيع أنظمة مكافحة الفايروسات العادية القضاء المبرم على الفايروسات المعقدة ذات الأسماء والألقاب المخيفة، من صفاتها أنها غير مرئية، وتصيب القلب والعقل مباشرة بالعطب، وقد رأينا عياناً كيف استطاعت تحريك ثلة من الناس باتجاه الموت أحياناً وآخرين باتجاه الجمود واللامبالاة. برأيكم.. كيف يمكن لأي دولة أن تقوم ذاتياً بمكافحة كل هذه الفايروسات؟ هل يكفي تشخيصها جيداً واكتشافها أم هناك مسؤولية أعمق تتمثل في تنقية الأذهان من الشوائب وإعادة تشكيل مفاهيمي واسع للقيم والأخلاق التي لم تعد تعبّر عن نفسها في شكل دقيق، ناهيك عن الوضوح فمن يدعو إلى القيم الدينية لا يلتزم بأخلاق الدين البسيطة ولا يمثلها واقعاً حياً في حياته، أما الذين يدعون إلى كل القيم الإنسانية ويتباهون شكلياً بتحضرهم لا يستطيعون النزول من أبراجهم العاجية لاستشعار أوجاع البسطاء وملامسة أحلامهم، أما أدعياء الوطنية الذين يستمتعون جداً وهم يتلفظون بها شعاراً لهم نرى كثيراً منهم يسابقون في الإساءة إلى الوطن، إما بنهب خيراته أو تبديد مقدراته أو إفساد موجوداته. وفي هذا المقام والشيء بالشيء يذكر يحضرني ما ذكره المفكر علي حرب في كتابه الموسوم بـ«أزمة المثقف العربي»، إذ يقول في مجمل كلامه إن المثقف العربي يجيد القول أكثر من الفعل، فهو يتحدث دائماً عن الأخلاق وقيم الإنسان، وهو أسرع الناس إلى العمل بخلافها، فمثلاً تسمعه يتحدث عن المحافظة على البيئة وهو يفسدها بكل ما أوتي من قوة. تحدث علي حرب عن القوميين الذين وصلوا إلى سدة الحكم في زمن ما بدعاية العدل والمساواة والحرية، وإذا بهم أول من يخون هذه القيم ويضرب بها عُرض الحائط، وهذا الكلام يصدق أيضاً على كل الإسلاميين العرب المسيسين الذين وصلوا أخيراً، محملين بوعود قاطعة لتقديم نموذج إسلامي لا يشبهه إلا الخلافة الراشدة تلك المسكونة الرحمة والعدالة والمساواة، فاقتحموا بهذه الدعاية ساحات الثورات وصدقتهم الجماهير العربية حتى تسنموا سدة الحكم، وإذ بهم ينقلبون عليها بما هو أقبح من الظلم، ويبتعدون أيما بعد عن قيم التسامح الإسلامي والعفو مهدرين بذلك الضرورات الخمس، اليوم نحن بحاجة ماسة إلى وقفة صادقة مع أنفسنا، لإعادة فهمنا وفهم متطلباتنا، ولنحمد الله أن أقدامنا لم تنزلق في أتون الثورات التي لا يشبهها إلا العبث، نعمل جاهدين في صناعة أجهزة مناعة متينة ضد كل الفايروسات الفتاكة، ولتبدأ من التعليم وإعادة أولويات الدِّين ورفع لواء الأخلاق أولاً له. فمتى صلحت أخلاقنا صلح كل شيء.