«من الصعب علينا أن نتصور جامعة نبراسكا من دون تادروس: المربي المتميّز والخبير البارع في تصميم مشاريع الإنشاءات الكبرى». جاءت هذه العبارة المقتضبة أثناء تكريم المصري - الأميركي ماهر خليل تادروس، لمناسبة إحالته على التقاعد عام 2011. وتختصر هذه الوثيقة جانباً لامعاً من مسيرة تادروس العلمية والمهنية، إضافة إلى تمسّك الجامعة بإبقائه أستاذاً باحثاً مدى الحياة. ولئن لم يقدّر لتادروس (مولود في المنيا عام 1946) أن يصبح، كما كانت تتمنى والدته، طبيباً له مكانة اجتماعية وعلمية مرموقة، فإنه توصّل إلى أن يكون من المشاهير داخل وطنه وخارجه. وحصل تادروس على شهادتي بكالوريوس وماجستير (1971) في جامعة أسيوط – قسم الهندسة الإنشائية، وعيّن فيها مُعيداً لمدة خمس سنوات. وفي عام 1972، تلقى منحة تعليمية من جامعة «كالغاري» الكنديّة. ونال فيها شهادة الدكتوراه عام 1975. وعيّن بعدها لمدة سنة ونصف السنة في شركة هندسية كندية هي «كوزنشيا براير بارتنرشيب»Cosentina Brayer Partnership، مهندِساً للأبنية المتعدّدة الطبقة. إلا أن هذا العمل لم يرضِ طموحه في ممارسة البحوث والتعليم. وانتقل إلى جامعة «ويست فرجينيا». وعيّن أستاذاً مساعداً إثر تلقيه جائزة مرموقة من «هيئة المهندسين المدنيين الأميركيين». ثم التحق بجامعة «نبراسكا» في مدينة «أوماها» الأميركية. وتدرّج من أستاذ مساعد إلى متفرّغ إلى أستاذ متميّز، فضلاً عن تعيينه بين عامي 1990 و1995 مديراً لـ «معهد البنى التحتية لمعالجة المباني الحكومية والطرق الجسور». تكريم متتالٍ يتمتّع تادروس بخبرات أكاديمية ومهنية رُصّعَت على مدى أربعة عقود بعدد من الجوائز والأوسمة الرفيعة. ففي عام 2004، مُنِح لقب «تيتان» (وهو لقب آتٍ من شخصية في الميثولوجيا الإغريقيّة) الذي لا يحظى به سوى مهندس من أصل 50 من مشاهير الهندسة الإنشائية عالميّاً. كما حصل على جائزة «تايلين» Tylin Prize للمهندسين المدنيين الأميركيين، وجائزة «مارتان كورن» Martin Korn العالميّة التي لم يحظَ بها باحث أميركي آخر في السنوات الخمس التالية. وتمنح «مارتان كورن» في مدينة شيكاغو للمتفوقين في علوم «الخرسانة المُسبَقَة الإجهاد» Pre-stressed Concrete في أميركا وكندا. وإضافة إلى ذلك، تولّى تادروس عدداً من المناصب المهنيّة، من بينها الباحث الرئيس في «برنامج البحوث التعاونيّة الأميركيّة للطرق السريعة»، ورئيس «اللجنة العلميّة للجسور» في «المعهد الثقافي لـ «الخرسانة المُسبَقَة الإجهاد» في شيكاغو. كما نال عضوية «لجنة البحوث والتنمية» في جامعة «نبراسكا»، والزمالة من «المنظمة الأميركيّة للخرسانة»American Concrete Institute، ورئاسة «منظمة تدريب طلاب الهندسة المدنيّة» في ولاية «نبراسكا»، وعضوية «نقابة المهندسين المدنيين الأميركيين» وغيرها. ويحتوي رصيد تادروس المهني والعلمي على 14 براءة اختراع. ووضع كتاب «إرشادات في تصميم الجسور والأبنية» Bridge Design Manual، (قرابة 3 آلاف صفحة) الذي يعتبر مرجعاً معتمداً للباحثين والطلاب في عدد من الجامعات العالميّة. كما أنجز تادروس قرابة 300 بحث، وألقى عشرات المحاضرات في مؤتمرات دوليّة وعربيّة. وتخرّج على يديه عشرات طلاب الماجستير والدكتوراه من جنسيّات مختلفة. يدٌ في العمران المعاصر تميّزت المسيرة العلمية الطويلة لتادروس، وفق ما باح به إلى «الحياة»، بإنجاز عدد من المشروعات العمرانيّة في المدن الأميركيّة والكندية. وبرع في وضع تصاميم لجسور كبرى تميّزت بمواصفات هندسيّة وفنيّة لم تكن معروفة في حينه. ومن أبرز الجسور التي صمّمها المصري - الأميركي تادروس: > جسر «إن يو - آي غريدر» في «نبراسكا» في 1992، وكان مستهل إنجازات تادروس. تميّز الجسر بتصميم نموذجي ما لبث أن أصبح شائعاً في عدد من الدول. كما تمتّع بمواصفات فنية واقتصادية وبيئية. وشُيّد بأجود مواد الإسمنت والفولاذ. وبُني منبسِطاً على عدد قليل من الأعمدة. ويستمر في العمل سنوات طويلة من دون صيانة تذكر. > جسر «آربور» المعروف بـ «جسر الشجرة». وعند انتهاء العمل منه، وُصِف تصميمه بأنه طليعي وأول من نوعه في أميركا. وفي 2005، كوفئ تادروس على هذا التصميم بجائزة مميّزة من هيئة «بي سي آي» الدوليّة. ويتميّز الجسر بانحناءة تمتد على موازاة الطريق التي يعبر فوقها، مجاوراً المنازل والأبنيّة السكنيّة. وسرعان ما راج تصميمه أيضاً في كثير من مدن أميركا الشماليّة. > بناء جسور سريعة التركيب تسهّل حركة المرور وتقلّص حوادث السير، ولا تحتاج زمناً طويلاً لتشييدها، بل مجرد أيام أو أسابيع، وليس سنوات كالحال في الجسور التقليدية. وتجهز هذه الجسور بقطع خراسانية كبيرة، يجرى تصنيعها مسبقاً. وتلتحم القطع مع بعضها بعضاً بمواد لاصقة سريعة الجفاف، وشديدة القوة والتماسك، ما يعطيها قدرة فائقة على مقاومة الصدمات الخارجية. > مشروع تحسين جسر الأميرة مارغريت في مدينة «فريدريكتون» في مقاطعة «نيوبرانزويك» الكنديّة. احتاج هذا الجسر الرئيسي في المدينة، إلى تغيير سطحه العلوي المخصّص للسير من دون استعمال رافعة ثقيلة في نقل قطع الخرسانة الثقيلة. وتمكّن تادروس ومهندسوه من ابتكار جهاز آلي (روبوت) يزيل القطع الخرسانية القديمة ويستبدلها بقطع جديدة، كما لا يلقي بأثقال كبيرة على الجسر، ما يوفر الوقت ويسرّع العمل ويجعله أكثر إتقاناً. وكذلك حقّق تادروس إنجازات تتعلق بكتل الخرسانة، من بينها مشروع الجدران الجاهزة المُصنعة مسبقاً والمعروفة باسم «سندويش بانِل». ويأتي الاسم من أنها تكون على شكل «سندويش» مؤلّف من طبقتين محشوتين بمواد عازلة للحرارة والبرودة. وتجعل هذه المواد الجدار قويّاً ومتماسكاً ومعزولاً عن التأثيرات الخارجية. وجرى استخدام هذا النموذج في أميركا وكندا وعدد من الدول الأوروبية. وهناك محاولات جارية حاضراً لإدخال هذا النموذج إلى الإمارات ودبي. > مشروع «البلوكات» الجاهزة للتركيب. وتتميّز بوزنها الخفيف الذي يعادل نصف وزن «البلوك» العادي، فيما تزيد قوتها عنه بقرابة 70 في المئة مع ملاحظة أن الخرسانة المستعملة في «البلوك» تساوي 8.5 كيلوغرام، في حين أن نظيراتها تصنع تقليدياً بخرسانة وزنها يزيد على 17 كيلوغراماً. وتؤدي خفّتها أيضاً إلى تجنيب العمال آلام الظهر، مع توفير في الوقت والمال. يولي تادروس اهتماماً كبيراً للعلاقات الأميركية - العربية. وبعد أن أسّس مع بعض طلّابه القدامى شركة «تادروس وشركاه» (استمرت من 1996 إلى 2006)، بادر حينذاك إلى بيع حصته لشركائه. ثم أنشأ شركة جديدة باسم «إي كونستراكت»، تعنى بتصميم الهندسة الإنشائية. وبعدها، عقد تادروس لقاءات عمل مع مسؤولين في حكومة الإمارات، بمساعدة المكتب الرئيسي للشركة في دبي. واتّسع نطاق الاجتماعات، بل امتد نشاطها إلى دول أوروبيّة وأميركيّة وعربيّة. وكشف تادروس مشروع تعاون يجرى التحضير له بالتنسيق مع مركز للبحوث في دبي. وتقتصر مهمات المشروع على نشر الكتب والمطبوعات والمحاضرات، والاطلاع على أحدث أساليب التكنولوجيا الأميركيّة. ويفترض أن تتولى شركة تادروس مسؤولية المراقبة والإشراف على الكشوفات الإدارية، كما تمنح شهادات فنيّة معترفاً بها من الحكومة الأميركيّة. وتوقّع تادروس أن تكون الخطوة التالية لهذا المشروع، في حال نجاحه، باتجاه الهند والبرازيل.