حذر محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" من تداعيات تعثر اتفاق الجزائر لخفض إنتاج الخام على السوق، مؤكدا أن ذلك سيؤدي إلى عواقب وخيمة على قطاع النفط الهش بالفعل. وقال باركيندو خلال معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول "أديبك": "مازلت على يقين بأنه قد تم استيعاب الرسالة وأن العواقب واضحة وأن تجربة العامين الأخيرين جلية". وأشار إلى أن التقرير السنوي للمنظمة الذي أطلق في أبوظبي أمس الأول أكد الطبيعة المعقدة والمتزايدة في التعقيد لصناعة النفط سواء في مشاريع المنبع أو المصب، مشيرا إلى أن المتغيرات التي حدثت في السوق منذ انخفاض الأسعار في منتصف عام 2014 فرضت مزيدا من التحول نحو توثيق الترابط المستمر بين جميع دول العالم. ولفت باركيندو – في تقديمه للتقرير الذي أطلق على هامش مؤتمر ومعرض أبوظبي للبترول "أديبك"، أن أمن الإمدادات وأمن الطلب شأنان مترابطان إلى حد كبير، منوها إلى الحاجة إلى فهم أفضل وأعمق للقوى المحركة للسوق والدراسة الوافية لكل من التحديات والشكوك وفرص النمو التي تواجهها الصناعة. وأضاف، أن تقرير "أوبك" لهذا العام أكد اختلاف ظروف السوق عن السنوات السابقة وأن هناك متغيرات ديناميكية تؤثر في صناعة النفط الخام أكثر من أي وقت مضى في الدورات السابقة التي خاضتها السوق النفط العالمية، مشيرا إلى أن التقرير نبه إلى سرعة المتغيرات في السوق وصعوبة الاعتماد على نماذج جامدة، منوها إلى أن كثيرا من التوقعات والافتراضات المتوقعة قبل منتصف عام 2016 قد تغيرات. وأشار التقرير السنوي الجديد لـ"أوبك" الذي أطلق في أبوظبي لأول مرة منذ يومين إلى أن التوقعات لمعدل النمو الاقتصادي العالمي على المدى الطويل حتى عام 2040 تصل إلى نسبة 3.5 في المائة سنويا، وهي تطابق التوقعات نفسها التي أطلقت في العام السابق 2015. وأضاف التقرير أنه بمراجعة مستويات الطلب على النفط على المدى المتوسط، تبين ارتفاعه بنحو 1 مليون برميل يوميا مقارنة بالعام الماضي 2015، ومن المتوقع ارتفاعه إلى نحو 99 مليون برميل يوميا بحلول عام 2021. وأشار التقرير إلى أن الدول النامية سوف تستمر في قيادة نمو الطلب العالمي بزيادة ما يقرب من 25 مليون برميل يوميا لتصل إلى أكثر من 66 مليون برميل يوميا بحلول عام 2040، منوها إلى أن نمو الطلب على المدى الطويل يأتي أساسا من النقل البري بنحو 6.2 مليون برميل يوميا والبتروكيماويات 3.4 مليون برميل يوميا وقطاع الطيران 2.8 مليون برميل يوميا. ولفت التقرير إلى أن المحرك الرئيس لمستوى الطلب على النفط في قطاع النقل البري يتمثل في زيادة أسطول السيارات في البلدان النامية، في مقابل انخفاض استهلاك النفط للمركبات في منطقة دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وذكر التقرير أن السوائل النفطية المنتجة في دول خارج "أوبك" من المتوقع أن تهبط إلى 57 مليون برميل يوميا في عام 2020 وإلى أقل من 56 مليون برميل يوميا في عام 2017، قبل أن يتعافى ببطء لأكثر من 58.5 مليون برميل يوميا في عام 2021 ثم تنخفض إلى أقل من 59 مليون برميل يوميا بحلول عام 2040. وأضاف التقرير أن الطلب على نفط "أوبك" سوف يتوسع إلى 41 مليون برميل يوميا بحلول عام 2040، مشيرا إلى اتساع حصة نفط "أوبك" في إجمالي المعروض العالمي من السوائل النفطية إلى 37 في المائة، بدلا من 34 في المائة في عام 2015. وأشار إلى تواصل زيادة طاقة التكرير الجديدة لتلبية نمو الطلب المقبل من المناطق النامية خاصة من آسيا والمحيط الهادئ، الذي من المتوقع أن تضيف 9.5 مليون برميل يوميا بحلول عام 2040. ونوه التقرير إلى أن الاتجاه الأساسي في تجارة النفط على المدى الطويل هو زيادة واردات النفط الخام في دول آسيا والمحيط الهادي من دول الشرق الأوسط، مشيرا إلى توقع إضافة 6.5 مليون برميل يوميا بحلول عام 2040. وأضاف التقرير، أنه على الصعيد العالمي، وفيما يخص الاستثمارات المرتبطة بالنفط والمطلوبة لتغطية الطلب المستقبلي على النفط خلال الفترة المتوقعة بين عامي 2016-2040 تقدر تقريبا بنحو عشرة تريليونات دولار. وتوقع تقرير "أوبك"، أن التشدد المستقبلي المتوقع في تطبيق سياسات مكافحة تغير المناخ، سيؤدي على الأرجح إلى انخفاض الطلب على الطاقة وإلى زيادة التحول إلى الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العالمي. وتشير دراسة "أوبك" إلى إمكان وصول سعر برميل النفط الخام إلى 60 دولارا في 2021 و92 دولارا في 2040 ما يوازي في الأسعار الجارية 65 و155 دولارا تباعا. وأوضح التقرير، أن الطلب العالمي على النفط سيستند بشكل أساسي إلى قطاعات النقل البري والجوي وقطاع الصناعات البتروكيميائية. كما ستستفيد على الأمد المتوسط من أسعار أقل من المتوقع. ولفت إلى أن الاستهلاك سيستقر على 99.2 مليون برميل في اليوم في 2021 في مقابل 93 مليون برميل في اليوم في 2015 بزيادة مليون برميل في اليوم، مقارنة بدراسة العام الماضي. من جانبه، قال لـ"الاقتصادية" لاديسلاف جانييك مدير شركة سلوفاكيا للنفط "سلفونفط "إن التقرير السنوي لـ"أوبك" عزز مستوى الشفافية في السوق، خاصة في هذا التوقيت الذي تواجه فيه السوق ظروفا صعبة وتحتاج إلى بيانات موثقة ودقيقة لاتخاذ القرارات الاقتصادية الملائمة. وقال إن التقرير أضفى أجواء إيجابية على السوق في ضوء ما نشره من إحصائيات دقيقة عن نمو الطلب المستقبلي، خاصة من الدول النامية وتوقعاته لانكماش المعروض بسبب تباطؤ الاستثمار إلى جانب استمرار هيمنة النفط الخام على مزيج الطاقة العالمي. بدوره، قال ألكس فولر؛ مدير تنمية الأعمال بمبادرة الطاقة الأوروبية لـ"الاقتصادية"، إن التقرير أكد تراجع الإنتاج من خارج دول "أوبك" وهو أمر متوقع نتيجة ارتفاع التكلفة في ضوء استمرار تراجع الأسعار، متوقعا أن يشهد الإنتاج الصخري الأمريكي بعض الانكماش خاصة إذا تغيرت الإدارة الأمريكية بشكل كبير في حالة فوز دونالد ترامب بالرئاسة. وأضاف أن ارتفاع حصة "أوبك" في المعروض العالمي إلى 38 في المائة هو مؤشر قوي على عودة دورها الرئيس في قيادة السوق، معتبرا أن الاستثمارات قد تنشط في دول الشرق الأوسط في الفترة المقبلة بشرط تحسن مستوى الأسعار واستعادة المنطقة للاستقرار السياسي. من ناحيته، أوضح لـ"الاقتصادية" ردولف هوبر الباحث والمحلل لشئون الطاقة، أن تقرير "أوبك" الجديد انعكس إيجابيا بسرعة على مستوى الأسعار، كما أن تحذيراتها من الآثار السلبية لاحتمال تعثر اتفاق الجزائر سيؤدي إلى الضغط على المنتجين للتجاوب مع خطة التحرك لاستعادة التوازن والاستقرار في السوق. من ناحية أخرى فيما يخص الأسعار، ارتفعت أسعار النفط أمس، قبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية مع اتجاه المستثمرين للتخلي عن بعض مراهناتهم في الآونة الأخيرة على هبوط الأصول التي تتأثر بالعوامل الاقتصادية ومن بينها النفط الخام والأسهم. ومالت أسعار النفط الخام إلى الارتفاع في الأسواق العالمية، بدعم من صدور التقرير السنوي لمنظمة "أوبك" الذي تضمن الكثير من الآفاق الإيجابية لمستويات الطلب على النفط الخام إلى جانب توقع انكماش المعروض من خارج "أوبك" . وعلى الرغم من حالة الترقب التي تسبق حسم الفائز بانتخابات الرئاسة الأمريكية، إلا أن السوق تفاعلت جيدا مع بيانات "أوبك" عن السوق وتحذيراتها من تداعيات أي تعثر يواجه تنفيذ اتفاق الجزائر الذي يقضي بخفض إنتاج دول المنظمة بالتعاون مع بعض المنتجين من خارجها. وفي سياق متصل، ارتفعت العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت 42 سنتا إلى 46.57 دولار للبرميل بحلول الساعة 10:00 بتوقيت جرينتش، في حين ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 28 سنتا إلى 45.17 دولار للبرميل. وما زال العقدان منخفضين بنحو 3.5 في المائة على أساس أسبوعي، لكنهما فوق أدنى مستوياتهما في ستة أسابيع التي سجلاها يوم الجمعة الماضي.