لا تكاد تخلو كلمة من كلمات خادم الحرمين الشريفين الأخيرة للمؤتمرين العرب والمسلمين من الدعوة إلى التسامح والتصالح والاعتدال. وآخر هذه الكلمات الكلمة التي تلقاها مؤتمر العالم الإسلامي أمس وجرى فيها استفظاع إزهاق الأرواح وتهديم أسباب الحياة، صغيرها وكبيرها. والحقيقة أن دعوات التسامح هذه قد اشتدت بعد أن بلغ حال أمتنا ما بلغه من التعصب والغلو والخروج عن ما ألفه الناس من التواد والتراحم والإيثار وتجنب مزالق الفتن ومثيراتها. ولا نستطيع أن ننكر بأن هناك تصرفات بعينها وأسماء وجماعات معروفة بشحمها ولحمها هي التي تسببت خلال السنوات الماضية في حقن الأرض العربية والإسلامية بالتعصب والبغضاء وفرقت السبل بالناس الذين وقعوا تحت طائلة هذا الحقن البغيض والمستفيض. لقد تعلمنا وعلِمنا بأن الدين يجمع ولا يشتت ويقرب ولا ينفر ويسامح ولا ينتقم، فما بالنا إذن نعيش هذه الصراعات التي تبدأ من البيت الواحد إلى المدن التي تعمها الآن نيران الحروب بين أبناء الوطن الواحد، الذين يتقاتلون كلهم باسم الدين، والدين، الذي نعرفه، براء منهم ومن أفعالهم. لقد بلغ القتل الزبى. وكما قالت كلمة خادم الحرمين الشريفين الأخيرة، فإن إزهاق الأرواح أصبح من كثرته وتكراره أمرا مألوفا لا يثير هولا ولا استفظاعا. وهذا للأسف ما يعم شاشاتنا الآن مما أصبحنا نتفرج عليه وكأنه مسلسلات يومية بمواعيد وعناوين وممثلين يقتلون ويقتلون. والضحية، بطبيعة الحال، هي الأوطان البائسة والضعفاء الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة، من رجال ونساء وشباب وأطفال. ولذلك فإن العلماء الحقيقيين المعتبرين من كل الطوائف يحملون على عواتقهم الآن مسؤولية فضح المتعالمين أو المتربصين أو حملة ألوية الفتن في كل الدول العربية والإسلامية، حيث لم يعد الأمر يقبل المجاملة أو التسويف أو خلق الأعذار لهذا الشخص أو ذاك أو هذه الجماعة أو تلك. كل الدول العربية والإسلامية، على غير ما عهدناه سابقا، مهددة بنيران التعصب للآراء والأحزاب والطوائف. والعقلاء من السياسيين والعلماء وقادة العمل الوطني، الإعلامي والاجتماعي بشكل عام، هم الذين سيحاصرون هذه النيران المشتعلة ليمنعوا تمددها ومخاطرها التي تحيق بكل إنسان في عالمنا والخطوة الأولى على هذه الطريق هي التي ستعيد رسم المشهد العربي والإسلامي بشكل عام وتقول للناس بصوت واضح وقوي إن التجييش الطائفي والمذهبي والمناطقي ستحيق خاتمته السوداء بالجميع، حيث لا تتخير نيران الفتن حين تشتعل وقودها، بل تلتهم المذنبين والأبرياء.