ارتبطت في المرحلة الجامعية بصداقة جميلة مع زميل دراسة رائع، كان يبهرني في طموحه ووعيه وخفة ظله، كنا نلتقي بصفة دائمة، لكن فجأة توقف كل شيء. أصبح لا يرد على مكالمتي، وعندما يراني يتهرب مني، قررت أن أنتصر لكبريائي وأكف عن ملاحقته والسؤال عنه، لم يكن الأمر يسيرا وهينا، لقد كان في منتهى الصعوبة، لكن الأصعب كان التوقف عن التفكير عنه واستذكار مناقبه ومميزاته العديدة. بعد فترة من الزمن لم يعد لهذا الشخص مكان في رأسي، احتجت إلى وقت غير قصير حتى شفيت من غيابه، أسترجع هذه العلاقة كلما سمعت أحدا يتحدث عن معاناته مع التعلق بشخص وعدم قدرته على الخلاص من الشعور بالحاجة الماسة إليه، هنا سأطرح بعض الأفكار بناء على تجربة شخصية وقراءات متفرقة في هذا السياق؛ لعلها تفيد بعضنا ممن يتملكهم هذا الشعور المؤلم: 1 - خفض سقف توقعاتك: في أحيان كثيرة نعتقد عندما نلتقي شخصا يسعدنا أنه هو الشخص الذي ظللنا سنوات أو ربما عقودا بحثا عنه قبل أن ندع العلاقة تنضج بما فيه الكفاية لتثبت لنا صحة مشاعرنا من عدمها، الحل الأمثل لمواجهة هذه العلاقات ألا نعلق عليها آمالا عريضة، ألا نقطع وعودا سريعة بالبقاء طويلا معا، أن نستعيد العلاقات الجميلة التي عشناها ولم تستمر كثيرا، ألا نطلق أفعل التفضيل على الشخص بعد فترة قصيرة من معرفته مثل: "أنت، أفضل صديق مر علي"، هي ليست دعوة للتشاؤم، بل دعوة لتخفيض سقف التوقعات حتى لا نصاب بخيبة أمل ويصبح الجرح أكثر عمقا فيستحيل التئامه سريعا، لا تنتظر الكثير من البشر ليفرحك القليل مما يجودون به. إذا توقعت الكثير لن تنال سوى الألم والوجع. 2 - لا تبح بكل شيء: لكن هذا لا يعني كذلك أن تدخر كل شيء، امنحه ثقتك ووقتك بالتدريج، التدرج سيجعل لكل كلمة قيمة ولكل ابتسامة معنى، اللهفة جميلة والترقب أخاذ. 3 - لا تهزمك الأسئلة: عندما يغيب شخص نحبه عن حياتنا فجأة ستحاصرنا تلقائيا هذه الأسئلة: هل أنا لست مميزا؟ هل هو أفضل مني؟ لماذا حظي تعيس؟ أنت لست كذلك صدقني، لا تهزك هذه الأسئلة، لا تسمح لها بمرافقتك، تذكر كل القائمة الجميلة التي تضيء (واتسابك) وقائمة هاتفك وتنتظر منك كلمة أو حتى ابتسامة لتمطرك حبا. أن يتركنا أحد، لا يعني أبدا أننا سيئون، وإنما محظوظون لأنه لم يطل بنا المقام أكثر مع أشخاص تهون عليهم العشرة، هؤلاء لا يستحقوننا. لا يستحقون حتى مجرد التفكير فيهم، الله أنقذنا منهم قبل أن نتكئ عليهم فينسحبون ونسقط. لا نعرف قيمة رحيل البعض عنا إلا عندما نعثر على أفضل منهم، ونتألم لأننا حزنا على غيابهم يوما ما في حين كان من الأحرى أن نبتهج ونحتفل إثر مغادرتهم التي أتاحت لنا فرصة التعرف على أشخاص أجمل وأنبل منهم.