د. محمد الصياد* قلنا في مقال سابق إن شركات الطاقة العالمية لجأت إبان فترة انهيار أسعار النفط في 2008 والربع الأول من عام 2009، إلى إبرام صفقات اندماج لتقليل نفقاتها. في الصدمة الارتدادية لأسعار النفط المستمرة منذ منتصف عام 2014، بدت صفقات الدمج أقل اندفاعا، ولكن خيارا آخر فضلت سلوكه هذه الشركات، وهو بيع بعض أصولها المنتمية لخط الإنتاج الوسيط وليس خطي الإنتاج الرأسي والأفقي. فقد اضطر بعض شركات النفط العالمية لعقد صفقات بيع جزء من أصولها: شبكات خطوط أنابيب نقل النفط والغاز، ومرافق تخزينها ومنصات تحميلها للحصول على الأموال لتعويض خسائرها. وقد فضلت شركات النفط التخلص من هذه الأصول، بسبب طبيعتها الاتفاقية التي تفوق مخصصات الإنقاق على الحقول والمصافي. ومن بين الشركات العالمية التي باعت مثل هذه الأصول في الآونة الأخيرة شركة بريتش بتروليوم البريطانية، وشركة توتال الفرنسية ومجموعة بريتش غاز. أما المشترون فكانوا صناديق الادخار التقاعدية وشركات الاستثمار والمضاربة في الأوراق المالية التي لم تعد السندات تغريها بسبب فوائدها المنخفضة. موجة تخفف شركات النفط وشركات الطاقة عموما من أعباء بعض أصولها التي لم تعد هوامشها الربحية مجدية لتغطية ضغط النفقات إزاء انكماش جانب الإيرادات في أنشطتها الإنتاجية الأساسية هذه الموجة مازالت مستمرة نظراً لتواصل ضغط الآثار السلبية لانهيار أسعار النفط منذ منتصف عام 2014. لذا فإن اتجاهات تقليص وضغط الإنفاق في شركات النفط والغاز بتفريعاتها، الرأسي، والأفقي، والوسطي، ستتواصل سواء عبر التخلص من الأنشط الوسيطة كما لاحظنا أو عبر اندماجها. وهو ما حدث مؤخرا حين اندمجت اثنتان من كبريات شركات نقل النفط والغاز عبر الأنابيب في أمريكا الشمالية هما شركة انبريدج الكندية وشركة سبيكترا الأمريكية، لتشكلان معاً أكبر شركة في أمريكا الشمالية في مجال البنية التحتية للطاقة، وذلك من خلال صفقة سهم مقابل سهم، وهي إحدى طرق الاستحواذ التي تقوم بموجبها الشركة المتملكة بشراء الشركة الأخرى من خلال تمليك حاملي أسهم الشركة المشتراة أسهما فيها بقيمة سهم متفق عليها. وهي في حالة صفقة Spectra/Enbridge عبارة عن تملك حاملي أسهم Enbridge حصة 57% من رأسمال الشركة الجديدة بعد الدمج، فيما سيتملك حائزو أسهم شركة Spectra حصة قدرها 43% من رأسمال الشركة الجديدة بعد الدمج، وذلك بواقع 0.984 سهما من الشركة المدمجة لكل سهم يملكونه، بقيمة حوالي 40.33 دولار للسهم وفقا لأسعار السهم في 2 سبتمبر 2016، وبقيمة إجمالية لسعر أسهم شركة Spectra قدرت بحوالي 28 مليار دولار. كانت النظرة التقليدية لشركات نقل النفط والغاز والمنتجات السائلة الأخرى بواسطة الأنابيب عبر الولايات المتحدة، أنها شركات طاقة استثمارية حصينة نسبياً ضد تقلبات أسعار السلع التي تنقلها بسبب طبيعة التعاقدات طويلة الأجل التي تبرمها مع منتجي هذه السلع. ولكن انهيار أسعار منتجات الطاقة منذ عام 2014، جعل المستثمرين في هذا القطاع أقل استقراراً بسبب اقتراب الكثير من زبائنها من حافة الإفلاس. ولذا فإن إقدام هذه الشركات على الاندماج يمكن أن يوفر لها فرصة أفضل للتكتل أمام المخاطر وتنويع قاعدة أنشطتها. حيث يتوقع ملاك الشركة الجديدة توفير حوالي 415 مليون دولار من النفقات بنهاية 2018، كما ستقوم الشركة بالتخلص من أعباء ما قيمته مليارا دولار من أصولها من أجل تحسين ميزانيتها العمومية. وهو ما يدل على الوضع المالي الصعب الذي دفع الشركتين للاندماج. الصفقة برمتها أقرب إلى الاستحواذ منها إلى الدمج، من حيث أن شركة Enbridge ستكون لها اليد الطولى في عملية الدمج، وذلك برسم تثمين سعر سهم كل شركة عند الدمج، وجعل مقر الشركة الجديدة هو نفسه مقر شركة Enbridge في مدينة كالغاري بمقاطعة ألبرتا الكندية وليس مدينة هيوستن بولاية تكساس حيث مقر شركة Spectra، وكذلك مواصلة رئيس شركة Enbridge ورئيسها التنفيذي آل موناكو لنفس وظيفته في الشركة المدمجة، فيما أصبح غريغوري إيبل رئيس شركة Spectra ورئيسها التنفيذي، رئيساً غير تنفيذي في الشركة المدمجة. وتؤشر عملية دمج/ استحواذ شركتي Enbridge وSpectra، إلى الآثار الوخيمة البعيدة الأمد لانهيار أسعار وقود الطاقة منذ منتصف عام 2014، التي تستمر في الضغط على شركات الطاقة العالمية، وتشكل مصدراً مقلقاً للمؤشرات القياسية السلبية لأداء الاقتصاد العالمي بالإجمال.