انطلق عهد الرئيس ميشال عون في يومه الأول باستقباله المهنئين في قصر بعبدا، الذي من المتوقّع أن يفتح أبوابه اليوم للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة بات محسومًا أنّه سيكون رئيس الحكومة السابق، رئيس تيار المستقبل، النائب سعد الحريري. وفيما ترجّح مختلف الأطراف أن يكون طريق التكليف ميسّرا تبقى الأنظار موجّهة إلى مسار التأليف الذي لا ينفي «تيار المستقبل» حذره من عوائق قد يضعها ما يسمّى «حزب الله» في طريقه إذا اختار العودة إلى سياسة التعطيل التي اعتمدها في مقاربته مع الملف الرئاسي طوال سنتين ونصف، بحسب ما يقول النائب في الكتلة محمد الحجار لـ«الشرق الأوسط». من جهته، لم ينف النائب في كتلة «التغيير والإصلاح»، أي كتلة رئيس الجمهورية، آلان عون احتمال مواجهة بعض الصعوبات في التأليف، قائلاً: «التكليف لن يكون صعبا إنما قد تكون هناك بعض العوائق في التأليف، مع تأكيدنا على أن الرئيس سيبذل كل الجهود لعدم استثناء أي طرف». وقال عون لـ«الشرق الأوسط»: «التوجّه هو لتكليف الحريري الذي يملك الأصوات الكافية لذلك، أي 65 صوتًا أو النصف زائد واحد من عدد النواب». وعما إذا كان التكليف سيواجه مشكلة عدم تسمية الطرفين الشيعيين، أي بري و«حزب الله»، قال عون: «عندها سيحتاج الموضوع إلى معالجة، وأعتقد أن بقاء بري إلى آخر مواعيد الاستشارات تدخل ضمن هذه الحسابات، من هنا أستبعد أن نواجه هذه المشكلة»، مضيفا «لا نعرف الموقف النهائي لـ(حزب الله) إنما حتى وإن لم يعلن تسميته للحريري فهذا الأمر لن يغيّر في التكليف شيئًا». مع العلم، أن أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله كان قد قال: «نقدّم تضحية عندما نقول إننا لا نمانع بأن يتولى الحريري رئاسة الحكومة»، ما قد يعني أنه سيسّهل تكليف الحريري من دون أن يصوّت له، في وقت لا يزال موقف بري غير واضح في هذا الإطار، لا سيما أنه كان من أبرز المعترضين على التسوية الرئاسية الأخيرة، حتى إنه لم يستبعد أن يكون في صفوف المعارضة. وكان لافتا في جدول مواعيد الاستشارات النيابية التي وزّعتها، رئاسة الجمهورية، تحديد موعد كتلة بري في نهاية اليوم الثاني من الاستشارات أي مساء الخميس، وذلك، خلافًا لما كانت تجري عليه العادة في استقبال رئيس مجلس النواب في بداية الاستشارات، وهو ما لفت إليه عون، قائلاً: «مجلس النواب هو من وضع المواعيد، وأعتقد أن تحديد موعد استشارات كتلة بري كان بناء على طلبه، وقد تنطلق من حسابات خاصة به». في المقابل، قالت مصادره لـ«الشرق الأوسط» إنّ «تحديد الموعد في نهاية مواعيد الاستشارات لا يرتبط بأسباب سياسية بل لدواع أمنية، وبالتالي فضّل بري أن يذهب مرّة واحدة مع كتلته بدل الذهاب كرئيس للمجلس في بداية الاستشارات ومن ثم كرئيس كتلة». وقال الحجار لـ«الشرق الأوسط»: «لغاية الآن موازين القوى تشير إلى أن الحريري سيكون الرئيس المكلّف وبعد ذلك إذا قرّر (حزب الله) أن يوقف التعطيل الذي مارسه لسنتين ونصف السنة عبر الانتخابات الرئاسية، وبالتالي منح انطلاقة جديدة للعهد كي تكون حكومة تتصدى للمشكلات التي نتج هذا التعطيل سيسّهل عملية التأليف، أما إذا قرّر المضي قدمًا بهذه السياسة فسيضع العوائق أمام التأليف عبر أطراف معروف بأنه يؤثّر عليها». وفي حين ذكّر الحجّار أن «حزب الله» لم يسبق له أن رشّح الحريري لأي حكومة سابقة، عبّر عن اعتقاده «بأن بري لن يذهب بمعارضته إلى درجة عدم تسمية الحريري لرئاسة الحكومة، لا سيما أنه كان المتضرّر الأكبر من تعطيل مجلس النواب ويهمّه أن تسير أمور الدولة». وفيما عقدت «كتلة المستقبل» يوم أمس اجتماعها الأسبوعي، معلنة ترشيحها للرئيس سعد الحريري لتولي رئاسة الحكومة الأولى للعهد، كان لافتا غياب النائب أحمد فتفت عن الاجتماع، كما ورود اسمه في موعد منفصل عن موعد الكتلة وضمن لائحة النواب المستقلين، في الاستشارات النيابية. وهذا الأمر عزته مصادر في «كتلة المستقبل» إلى بعض الخلافات المتراكمة بين «التيار» وفتفت، كان آخرها الانتخابات الرئاسية التي اعترض عليها الأخير، ولفتت لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ الحريري يقوم بمعالجة الموضوع شخصيا مرجّحة أن تحلّ في وقت قريب، قائلة إن «فتفت من مؤسسي تيار المستقبل ولا يمكن أن يكون خارجه». وأكدت الكتلة أنها تتطلّع إلى نتائج إيجابية للتعاون بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري انسجامًا مع أحكام الدستور واتفاق الطائف، ونوّهت بـ«المضمون الإيجابي لخطاب القسم وعلى وجه التحديد ما جرى التأكيد عليه لجهة احترام الدستور والقوانين والتمسك بتنفيذ وثيقة الوفاق الوطني من دون انتقائية أو استنسابية. كذلك أيضًا في ما يتعلق بضرورة السعي لتعزيز الوحدة الوطنية، وتغليب الخطاب الوطني الجامع على الخطاب الطائفي والمذهبي، والالتزام بتحييد لبنان عن صراعات المنطقة، والتأكيد على دور الجيش اللبناني في الدفاع عن لبنان، وكذلك احترام المواثيق والقرارات الدولية وميثاق جامعة الدول العربية، وضرورة سلوك طريق الإصلاح لمعالجة المشكلات المتراكمة بما يسهم في تحقيق النهوض الاقتصادي والمعيشي». من جهتها، أعلنت «كتلة الإصلاح والتغيير» على لسان رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، تأييدها لتكليف الحريري لرئاسة الحكومة، وهو الموقف الذي سبق أن أعلنه مرارًا «حزب القوات اللبنانية». وقال باسيل بعد اجتماع التكتّل الأسبوعي: «بعد ترشيح رئيس تيار المستقبل سعد الحريري من كتلة المستقبل، نؤيد هذه التسمية وهذا موقف طبيعي، فمن يقبلنا نقبل به وكل أصواتنا ستكون للحريري؛ لأنه اعترف بنا ونحن معه في كل ما يواجهه من صعوبات، ومن يرفضنا نرفضه». وشكر باسيل: «كل الفرقاء الذين ساندوا التيار الوطني الحر في معركة رئاسة الجمهورية والتي تكللت بالنجاح»، وقال: «نشكر أولاً التيار الوطني وتكتل التغيير والإصلاح والركن الأساسي فيه هو حزب الطاشناق الذي وقف معنا منذ اليوم الأول. كما نشكر شريك النصر (حزب الله)، والذي نحن نعرف ما تحمل من ضغوط لإعطاء الشراكة الوطنية معناها الكامل».