في مثل هذا اليوم من الأسبوع الماضي عُقد لقاء حواري طلابي في مجمع عبدالرحمن بن عوف التابع لمكتب تعليم العُرضية الشمالية بإدارة تعليم القنفذة، وضم نُخَبًا من طلاب المرحلة الثانوية على مستوى المكتب، وذلك ضمن اللقاءات الطلابية التي ينظمها قسم النشاط الطلابي بالإدارة في المكاتب كافة بهدف تعزيز قِيَم الحوار والقبول بالآخَر. الأمر الذي لفت انتباهنا -نحن لجنة التقييم- هو تلك الرؤية الواعية التي اندلقت على لسان أحد الطلاب في معرض حديثه عن الأمن الفكري، حينما أكَّد على أن حب الطلاب لوطنهم لا مزايدة عليه، وأن الحالات الخارجة عن النص تبقى في حكم النادر، وأن خروجها كان من مسبباته حملاتُ البعض المتتالية على معتقدات الطلاب واشتغالهم على خلق حالة من الشك في ولاءات الطلاب تجاه وطنهم وقيادتهم، هذا بدوره خلق حالة من الاضطراب الفكري دلف منها المتربصون لينصبوا لهؤلاء الطلاب فخاخهم. لم يمضِ على هذا اللقاء الحواري الطلابي سوى يومين حتى ذكرت صحيفة «مكة» أن وزارة التعليم حددت: «ثلاثة تيارات تهدد الأمن الفكري للطلاب والطالبات، مبينة أن أبرزها تَمثل في تيارات المذاهب الفكرية المعاصرة: التغريبية، الإلحادية، الليبرالية، والعلمانية، إذ طالبت إدارات المدارس بتحصين المجتمع المدرسي من أخطارها عبر مشروع (حصانة) للتوعية الفكرية». هذا القرار على وجاهته إلا أن البعض بدا منزعجًا منه بشكل مريب؛ وليس من تفسير إلا أن القرار كشف الأوراق، وقطع طريق النفعيين، وشرع في إعادة حالة التوازن والاعتدال المفقودة للميدان التعليمي. في هذا المقام يذكر الجميع إجراءات التقليص والتمحيص التي اتخذتها وزارة التعليم طوال العقدين الماضيين بحق المقررات الدينية بحجة تضمُّنِها ما يمكن أن يؤدي بالطلاب إلى الخروج عن روح الإسلام السمحة إلى حالات الإقصاء والكراهية، واليوم وبعد أن أيقنت الوزارة أنها بفعلها ذاك أخْلَت الجو لبعض التيارات لتُحكم قبضتها على عقول الطلاب مستغلة حالة التقليص والتمحيص للمقررات الدينية، وأدركت أن كلا طرفَي التطرف (يمينًا-شمالاً) ذميم، نراها تطالب بتحصين الطلاب ضد بعض المذاهب الفكرية، وهي خطوة -وإن كانت متأخرة- إلا أنها تبقى جيدة تعزز منهج الوسطية والاعتدال. ويظل التساؤل الكبير مرتسمًا عن حالة الارتياب التي قابل بها البعض هذا القرار وهُم الذين طالما شددوا على القبول بالرأي الآخر، وأيَّدوا الوزارة في توجهاتها، وأكدوا على ضرورة تمحيص الأفكار، ومجَّدوا الوسطية! كيف لهؤلاء أن يجعلوا من التيارات الفكرية (كلها) خيرًا محضًا ونصًّا مقدسًا؟! كيف نوفق بين دعوتهم لتمحيص الوحي الإلهي والهدي النبوي في المقررات الدراسية، وقبولهم بالمذاهب الفكرية البشرية ودفاعهم عنها إلا بالازدواجية المقيتة؟! أنا هنا لا أدعو لمصادرة المذاهب الفكرية كليًّا، لكنها تظل أفكارًا بشرية تحمل الخير والشر، ولذا ينبغي ألا تُؤخذ على علاتها. ويبقى الخير في التوازن بين المقررات الدينية والمذاهب الفكرية، وأن يكونا (كلاهما) تحت مسطرة واحدة، فذاك هو الرهان الأقوى للأمن الفكري المنشود. Mashr-26@hotmail.com