يتوجب علينا الوقوف إلى جانب وزارة البيئة والمياه والزراعة لتشجيع جهودها ودعم أهدافها الطموحة لتأمين مخزوننا الإستراتيجي من المياه والغذاء لأن الأمن المائي والغذائي يشكل قمة تحدياتنا المُلِحّة وأهم أولوياتنا المستهدفة، جاءت أهداف وزارة البيئة والمياه والزراعة على رأس أهداف برنامج التحول الوطني 2020، متفوقة بذلك على كافة الوزارات بعدد 16 هدفا من أصل 187 هدفا إستراتيجيا، وذلك لما للمياه والغذاء من أهمية قصوى وصلة مباشرة بصحة ومستقبل الأجيال تفوق أهمية النفط والغاز. لذا يتوجب علينا الوقوف إلى جانب الوزارة لتشجيع جهودها الخيرة ودعم أهدافها الرامية لتأمين مخزوننا الإستراتيجي من المياه والغذاء. في الدول العربية عامة والخليجية خاصة يشكل الأمن المائي هاجسا خطيرا على أمن هذه الدول، حيث تضاعف الطلب على المياه في الخليج العربي خلال العقد الماضي بنسبة 800%، وذلك رغبة من الدول الخليجية في تحقيق الاكتفاء الذاتي لبعض المواد الغذائية، كما زاد الاستهلاك المنزلي بمقدار 300% خلال الفترة نفسها، بسبب تحسن مستوى المعيشة وزيادة عدد السكان. ومع أن الأمطار السنوية المتساقطة على الدول الخليجية، التي تساوي نحو 433 مليار متر مكعب في المتوسط، تعادل 10 أضعاف احتياجاتنا من المياه، إلا أننا لا نستفيد منها لأن أرضنا الرملية وتربتنا الإسفنجية تمتص معظم هذه الأمطار، لينتهي 43% منها تحت الأرض في مكامن جوفية غير آمنة، بينما يذهب 23% منها إلى البحر، وتحتجز النسبة الباقية خلف السدود، ليتبخر 50% منها في الهواء. كما أن الدول العربية لا تحسد على موقعها الجغرافي في الكرة الأرضية، الذي يعرف بالحزام الجاف وشبه الجاف، حيث تفوق مساحة الصحاري فيها نسبة 43% من مساحة أراضيها، ولا تزيد مواردها المائية المتجددة على نسبة 1% من المياه المتجددة في العالم، ليصبح نصيب الفرد العربي من المياه أقل من 1700 متر مكعب سنويا، بينما يزيد المعدل العالمي عن 7600 متر مكعب سنويا. وفي الوقت الذي يفوق معدل هطول الأمطار 3000 مليمتر في أوروبا، و4500 في شمال أميركا، و5300 في جنوب شرق آسيا، فإن هذا المعدل ينخفض في الوطن العربي إلى أقل من 500 مليمتر سنويا، ليصل عجز الموارد المائية العربية إلى 127 مليار متر مكعب. تقرير البنك الدولي الأخير جاء ليؤكد أن معدل موارد المياه المتجددة سنويا في المنطقة العربية لا يزيد على 350 مليار متر مكعب، لتأتي نسبة 35% منه عن طريق تدفق مصبات الأنهار المتواجدة خارج المنطقة، منها 56 مليار متر مكعب عن طريق نهر النيل، و25 مليارا عن طريق نهر الفرات، و38 مليار متر مكعب عن طريق نهر دجلة. كما أن كمية المياه السطحية المتاحة من أنهار الوطن العربي لا تزيد على 183 مليار متر مكعب سنويا، لتحوز مصر والعراق والسودان وسورية ولبنان على 73% منها، علما بأن 67% من مياه هذه الأنهار تأتي من خارج هذه الدول العربية. كما أكد التقرير أن متوسط نصيب الفرد العربي السنوي من الموارد المائية المتجددة سينخفض بنسبة 80% إلى 667 مترا مكعبا في عام 2025، لتقع 13 دولة عربية، من ضمنها الدول الخليجية، ضمن فئة الدول ذات الندرة المائية المتفاقمة بسبب استنزافها الجائر للمياه الجوفية وزيادة معدلات النمو السكاني العالية. وبالنسبة للأمن الغذائي، فلقد تربعت الدول الخليجية، بالنسبة لعدد سكانها في العام الماضي، قائمة أكبر القوى الشرائية للمواد الغذائية المستوردة في العالم، لتحتل اليوم المرتبة الـ18 في قيمة الغذاء المستورد، الذي يعادل 16% من إجمالي وارداتنا الخليجية ويشكل 83% من احتياجاتنا الغذائية، وذلك لأننا نعاني من فجوة غذائية مزمنة تفوق نسبتها 100% في الأرز و92% في الذرة و86% في الشعير و76% في القمح و34% في اللحوم والدواجن والألبان. في تقريره الصادر نهاية العام المنصرم، أوضح برنامج الأغذية العالمي أن العجز الغذائي المتفاقم في الدول العربية عامة والخليجية خاصة جاء نتيجة اختلال التوازن بين زيادة عدد السكان وانحسار كمية الإنتاج، إضافة إلى اتساع رقعة التصحر وجفاف الطبيعة وندرة المياه، مما أدت جميعها إلى تراجع خططنا الزراعية وإرهاق كاهل ميزانياتنا السنوية بسبب دعم الأسعار لمواجهة آفة التضخم المستورد. خلال العقد الماضي فقط، شكلت السلع الغذائية الرئيسية نحو 76% من قيمة الفجوة الغذائية في الدول الخليجية، وارتفعت تكلفتها بنسبة 27% سنويا لتتضاعف مستقبلا مرة كل خمس سنوات طبقا للأسعار السائدة في العام الحالي. وعلى مستوى الوطن العربي، أكد البرنامج أن هنالك اليوم 75 مليون جائع عربي، تزداد نسبة نموهم بمقدار 5% سنويا، حيث ارتفعت الواردات العربية من الغذاء إلى 45% من احتياجات الوطن العربي بتكلفة فاقت 47 مليار دولار سنويا، وأصبحنا نستورد ما يقارب 24% من مجمل ما يستورده العالم الثالث من المنتجات الغذائية. وإذا كانت المياه مرشحة لإشعال الحروب في منطقة الشرق الأوسط، نتيجة تحكم الدول غير العربية مثل إيران وغينيا وإثيوبيا وكينيا وأوغندا، بحوالي 60% من منابع الموارد المائية في الوطن العربي، فإن موضوع الغذاء، الذي يستحوذ على 80% من الاستخدام الإجمالي للمياه، أصبح أيضا مرشحا لإشعال الحروب الداخلية نتيجة زيادة نسبة الجياع في العالم العربي. لذا نحن اليوم في أمس الحاجة للوقوف إلى جانب وزارة البيئة والمياه والزراعة بالمملكة لتحقيق أهدافها الطموحة التي يجب ألا تبقى حلما يصعب تحقيقه أو سرابا نلهث وراء تحدياته، فالمياه والغذاء الأهم أمناً من النفط والغاز.