من أعظم الاكتشافات العلمية خلال نصف القرن الماضي هو اكتشاف متتاليات التغذية واسعة النطاق، وهي عملية بيئية تبدأ من قمة السلسلة الغذائية نزولا إلى قاعدة السلسلة. لقد حاول البشر القضاء على الكائنات في قمة السلسلة لتوفير عيش آمن للكائنات الأقل، ظنا منهم أنهم يحسنون صنعاً، واتضح بذلك الاكتشاف خطؤهم الفادح، وأكبر دليل ما حدث في متنزه أو محمية "بلو ستون" العام في الولايات المتحدة، الذي تم القضاء على الذئاب فيه، واختفت من المنطقة لمدة 70 عاما، ما أدى إلى تكاثر الغزلان بشكل كبير جدا، فهي تعيش في أمان، مما جعلها تنتشر في المنطقة، وتقضي على المساحات الخضراء كليا، لذا استقدمت مجموعة صغيرة من الذئاب إلى المحمية في عام 1995، وأول ما يخطر في بالنا هو أن هذه الذئاب ستقضي على عديد من الحيوانات، ولكن المفاجأة أنها في الوقت نفسه تمنح الحياة لكائنات أخرى كثيرة.. ولنر ما حدث هناك. بالرغم من قلة عدد الذئاب إلا أنها بدأت في افتراس الغزلان، مما حدا بالغزلان لهجر بعض المناطق مثل الوديان والمسالك الضيقة التي يسهل اصطيادها فيها، لذا عادت الحياة إلى تلك المناطق ونَمَا الشجر وغطى الوديان، وتضاعف ارتفاع الأشجار إلى خمس مرات في ست سنوات، وتزايدت الطيور والقنادس، التي تعد أحد مهندسي نظام البيئة، وعادت أغلب الكائنات التي هجرت المكان مثل ثعالب الماء والبط والأسماك والأرانب، بسبب قتل الذئاب لمفترسيها، مما زاد عدد الصقور والنسور، وجاءت الغربان لتتغذى على الجيف، لقد غيرت الذئاب من سلوك الأنهار، فقل التآكل واتساع القنوات وتشكلت البحيرات! ومثل ذلك حدث في اليابان عندما حاولوا القضاء على الحيتان، لزيادة أعداد سمك التونة، ولكن حدث العكس تماما، فقد قل عدد السمك بشكل ملحوظ جدا.. فما السبب؟ لقد كانت الحيتان تتغذى في الأعماق، ثم تصعد إلى السطح، وتفرز أعمدة البراز - أجلكم الله - فترمي بكميات كبيرة من المخصبات، فتنمو العوالق النباتية التي تتغذى عليها الأسماك، والمثير أيضا أن هذه العوالق تمتص الكربون من الغلاف الجوي. تقول جايا لوفان "العالم عبارة عن كائن واحد، كائن ذاتي التنظيم - فسبحان من سخره". كل هذا يدل على أن العالم الطبيعي مبهر ومعقد أكثر مما نتصور، والعودة إليه تعيد لنا الأمل في الحياة.