أخيرا، توصَّل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، خلال حديثه الهاتفي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، إلى أحد أهم اكتشافات القرن الواحد والعشرين!. وزارة الخارجية الأمريكية أكدت أن لافروف وكيري "تحدثا عن أهمية مواصلة النقاشات متعددة الجوانب في جنيف وحول كيفية البحث عن سبل تحقيق الهدنة وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين في حلب". هذا الحديث الهاتفي جرى في 24 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، وبعد يومين فقط من مكالمة هاتفية بين الوزيرين بشأن الأزمة السورية والأوضاع في حلب. المكالمة الأولى دارت تحديدا حول "سبل تطبيع الوضع في أحياء حلب الشرقية، وذلك استمرارا للحوار الثنائي حول الأزمة السورية، وتطويراً لاتفاقات لوزان التي تم التوصل إليها في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي". أي ببساطة، تتأرجح واشنطن بين جنيف ولوزان، وربما عواصم ومدن أخرى شهدت مباحثات ومفاوضات بشأن الأزمة السورية. وهو الأمر الذي يعطى انطباعا بأن الولايات المتحدة تواصل عمليات المماطلة والتسويف، وكأنها في انتظار شئ ما يجب أن يحدث لكي يفتح الطريق لسيناريوهات وإجراءات معينة. حوار "الطرشان" لا يزال يتواصل بنشاط غير مسبوق، فبينما تؤكد وزارة الدفاع الروسية أن لا طيرانها ولا طيران القوات السورية الحكومية اقترب من حلب طوال الأسبوع الأخير، تصر الخارجية الأمريكية على أن المقاتلات الروسية والسورية تواصل القصف على حلب. بل وتتحدث أيضا عن هجمات برية! الطريف أن واشنطن ترفض أن تصدق موسكو، وتواصل توجيه الاتهامات إليها. ولكن عندما يجري الحديث عن سقوط ضحايا في سوريا بسبب الغارات التركية، يقفز الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية جون كيربي ليعرب عن قلقه وقلق بلاده، ويؤكد في "رقة" قائلا: "ليست لدينا أي تفاصيل تكتيكية إضافية. من البديهي أننا قلقون دائما من الضحايا بين المدنيين وتدمير المواقع المدنية نتيجة للأعمال العسكرية، لاسيما إذا لم يتم تنسيق مثل هذه الأعمال مع جهود التحالف.. رأيت الأنباء الواردة من تركيا. لكن ليتحدث العسكريون الأتراك عن عمليتهم بأنفسهم"! المنطق الأمريكي مثير ليس فقط للدهشة، ولكن أيضا للسخرية. فليس هناك موقف واضح للولايات المتحدة من العملية العسكرية التركية في سوريا والتحركات العسكرية التركية في العراق. هناك فقط حالة من "التملق"، والإمعان في "الكيد" السياسي، ومغازلة أنقرة. وفي نهاية المطاف تفاجئنا الخارجية الأمريكية بضرورة الانتظار والتمهل والهدوء لكي نستمع إلى العسكريين الأتراك، بينما العسكريون الروس يدلون بتصريحات ويقدمون الخرائط والوثائق، ولكن لا أحد يريد أن يصدِّق! على الرغم من كل ذلك، وعلى الرغم من أن موسكو أعلنت أن لا حديث يجري الآن عن هدن جديدة أو تمديد للهدنة القديمة بسبب تعنت واشنطن وفشلها في فصل المعارضة عن الإرهابيين وإصرارها على كيل الاتهامات إلى أن روسيا، إلا أنها(موسكو) لا تزال تلوِّح بإمكانية بحث هدنة جديدة. ولكن لا رد فعل من جانب واشنطن. ما يعني شئنا أم أبينا أن الولايات المتحدة تعد وتجهز لسيناريوهات أخرى بديلة أو موازية. لقد ألقى مندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين كلمة مهمة تزامنت مع انتهاء "صلاحية" الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أجمَلَ فيها بعض النقاط المهمة. وذلك عندما أعرب عن حيرته من ما يحدث في مجلس الأمن بقوله: "أيُعقل أن يتحدث الأمين العام عن الوضع في سوريا وعن الوضع الإنساني الفظيع فيها ولا يذكر بتاتاً التنظيمات الإرهابية! جبهة النصرة ولا داعش لم ترِدا بتاتاً في كلمة الأمين العام.. أليست مكافحة الإرهاب من أهم أهداف منظمة الأمم المتحدة؟ صحيح أن المبعوث الخاص للأمين العام السيد ستيفان دي ميستورا ذكر ذكراً عابراً جبهة النصرة وداعش، ولكن ذلك كان في سياق أنه يريد أن يرافق مسلحي جبهة النصرة لكي يصلوا بكرامة إلى عاصمتهم، مدينة إدلب... ولكن ما هي الكرامة التي تتحدثون عنها؟ ما هي كرامة الإرهابيين التي تتحدثون عنها؟". غير أن المهم في حديث تشوركين ظهر عندما وصل إلى ما قاله المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية بأن "الولايات المتحدة تقاتل داعش، أما جبهة النصرة، بعد أن انتقلت إلى المدن، توقفت الولايات المتحدة عن مكافحتها". وهذا يعني، كما قال تشوركين، أن سكان حلب الشرقية يجب أن يبقوا رهائن هذا التنظيم الإرهابي. ومع ذلك، لا يزال العسكريون الروس يتحدثون عن إمكانية بحث هدنة جديدة في حلب، تفاديا لسيناريوهات غير محمودة العواقب، يجري التحضير والإعداد لها من جانب الولايات المتحدة وحلفائها. أشرف الصباغ