دور النجم الأميركي توم كروز في فيلم Jack Reacher: Never Go Back، في هذه المرحلة من حياته هو أسهل دور بالنسبة لممثل محترف له ثلاثة عقود من الخبرة. هذا الفيلم هو الجزء الثاني من فيلم «جاك ريتشر» الذي شاهدناه منذ أربع سنوات، وكان من كتابة وإخراج كريستوفر مكواري (مهمة مستحيلة 5)، وأما هذا الجزء فمن إخراج إدوارد زويك، وهو ثاني تعاون له مع كروز بعد فيلم «الساموراي الأخير» عام 2003. 18 «جاك ريتشر» الأول كان مقتبساً من الرواية التاسعة في سلسلة قصص المؤلف البريطاني ليي تشايلدز، أما هذا الجزء فمن الرواية الـ 18. مشهد جدلي هناك مشهد جدل بين تيرنر وريتشر حول ما تصورته هي بمثابة تعالٍ عليها كونها امرأة، عندما طلب منها الجلوس مع ابنته ليذهب هو للتحري عن الوضع خارج فندق لجأوا إليه، المشهد ربما يطرح قضية المساواة بين الجنسين لكن لا يذهب بعيداً في الطرح، وفي الحقيقة يذكر بمعركة روزاليند راسل لإثبات نفسها وسط الرجال في فيلمHis Girl Friday عام 1940. «جاك ريتشر» الأول كان مقتبساً من الرواية التاسعة في سلسلة قصص المؤلف البريطاني ليي تشايلدز، أما هذا الجزء فمن الرواية الـ 18. تبدأ أحداث الفيلم بعد أربعة أعوام من نهاية الفيلم الأول، جاك ريتشر (توم كروز) يعود إلى مقر قيادة الوحدة العسكرية في الجيش الأميركي التي كان يعمل فيها ليزور الرائد سوزان تيرنر (الكندية كوبي سمولدرز- نجمة مسلسل هاو آي مت يور ماذر)، التي كانت تعمل معه في حل القضايا، ليزورها بعد مكالمة قصيرة فيكتشف عند وصوله أنها معتقلة بتهمة التجسس. وعندما تكثر أسئلة ريتشر فإنه يجد نفسه رهن الاعتقال؛ لكنه ينجح في الهروب وإخراج سوزان معه من السجن. ثم يتم توريطه في جريمة قتل، ويلاحق من قبل قاتل مأجور يسمى الصياد (باتريك هيوسينغر)، ويحاول التأقلم مع احتمال أن لديه ابنة اسمها سامانثا (دانيكا ياروش) من علاقة سابقة تبلغ من العمر 15 عاماً. حد فاصل هل يشعر القارئ الكريم أنه شاهد هذه القصة في أفلام سابقة؟! نعم ذلك صحيح. قبل مناقشة الفيلم، دعونا نفترض جدلاً أن توم كروز ليس الشخص المناسب لأداء جاك ريتشر، ليس لأنه غير قادر أو لا يصلح لكن لأنه دور مشابه - إلى حد كبير - بدوره الآخر الأكثر بريقاً وهو الجاسوس إيثان هانت في أفلام مهمة مستحيلة. ريتشر وهانت كلاهما مجازفان ومقاتلان ويقودان سيارات في مطاردات ويقتحمان مؤسسات ومكاتب لسرقة معلومات، وبارعان في إطلاق الرصاص، فلابد للرجل من وضع حد فاصل بين الشخصيتين، ما الذي يستطيع أن يؤديه هانت ولا يقدر عليه ريتشر؟ ربما الغوص مدة ست دقائق والتعلق بطائرة في وضعية الإقلاع أو التعلق بقطار في أقصى سرعته! وما الذي يؤديه ريتشر ولا يقدر عليه هانت؟ الدخول في معارك قتالية باللكم والرفس وتحطيم الأعناق! أو نقول ربما! الفرق الوحيد بينهما أن ريتشر غير مهتم بالنساء (على الأقل حتى هذه اللحظة) ولا يستخدم أجهزة تقنية خيالية. نقول ربما لو اكتفى كروز بإنتاج أفلام جاك ريتشر وترك بطولتها لغيره مثل بين أفليك أو جيريمي رينر أو أي ممثل أصغر سناً وأقل وسامة، خصوصاً أن ريتشر في الكتب لا يتمتع بوسامة. وأيضاً حتى لا تذوب الحدود بين شخصيتين متقاربتين يؤديهما ممثل واحد كان من الأجدر به تنويع أدواره والدخول في تحديات جديدة. من ناحية أخرى، فإن ريتشر هو جيسن بورن من نوع آخر، وهذه نقطة تستحق الوقوف عندها، ريتشر ضابط ومحقق غامض سابق في الجيش الأميركي اختفى فجأة، ويظهر فقط لحل قضايا هو يعلم أنه الوحيد القادر على حلها. أما جيسن بورن فهو عميل الاستخبارات المركزية الأميركية الذي يحاول فهم ما يحدث له من خلال استرجاع ذاكرته المفقودة. أفلام بورن كلها عن قصته، لكن أفلام ريتشر ليست عنه إطلاقاً، بل هي عن أشخاص يتعرضون لمؤامرة ويأتي هو لمساعدتهم. ريتشر أساساً شخصية هامشية تأتي من الظل وتصبح مركزية قبل الاختفاء في آخر القصة أو الفيلم. ريتشر محقق ومنظر ومحلل في الفيلم السابق ونظريته كانت هي الصحيحة حسب المشهد الأخير من ذلك الفيلم، بينما بورن لا يتحدث كثيراً لكنه يسأل كثيراً. لكن الغريب جداً أن ريتشر في هذا الفيلم قلت حواراته وأصبحت جملاً محدودة، أي مثل بورن (هذا الأخير كانت كل حواراته عبارة عن 45 جملة في فيلمه الأخير جيسن بورن). لمسات قديمة زويك صنع فيلماً جيداً رغم أنه مكرر، ونجده تفوق على رؤية مكواري في الجزء السابق الذي انعدم فيه التوازن بين الجدية والهزل في مشاهد عدة؛ أي إن الفيلم لم يأخذ نفسه بجدية. زويك ضبط الخلل هنا وصنع فيلماً جاداً لكن لأجل الاستمتاع به فعليك إيقاف عملية اللاتصديق. أيضاً لو كنت قد شاهدت الكثير من أفلام الأكشن في الـ 30 سنة الماضية، ومررت بمرحلة الإدمان على أفلام «المخضرم» ستيفن سيغال (المنفي في أسواق الفيديو اليوم)، ستتمكن من تخمين أحداث هذا الفيلم من خلال قراءة سلوك شخصياته وليس القصة نفسها. الفيلم (يشبه كثيراً فيلم كلينت إيستوود The Outlaw Josey Wales) عام 1976، لا ينسخ معادلة الجزء الأول؛ لكنها لم تكن خطوة حكيمة، فعلى الرغم من الخلل هناك إلا أن مكواري فاجأنا بإسناد دور الشرير إلى المخرج الألماني فيرنر هيرتسوغ الذي أتقنه كثيراً، وكنا نتمنى لو شاهدنا مخرجاً معروفاً في دور الشرير هنا، حتى لو كان زويك نفسه، على الأقل تلك حركة تتمتع بالأصالة في عمل غارق في التكرار من بدايته إلى نهايته التي بدت مستنسخة من مشهد الافتتاح في فيلم جيمس بوند الأخير «سبيكتر». الفيلم يحوي قصة جيدة لكنها مدفونة ولا نعلم لمَ لم يذهب زويك باتجاهها؟ بل اكتفى بفيلم عادي جداً يحمل لمسات سينما هونغ كونغ في الثمانينات. الفيلم كذلك يحوي قصة جانبية تمتد إلى أفغانستان، لكنها إجمالاً غير مهمة، لأن التركيز أكثر كان على عنصر الشر وهو شركة أمنية على شاكلة بلاك ووتر في العراق يرأسها الجنرال هاركنس (روبرت نيبر من مسلسل بريزن بريك)، الذي لم يستغل أبداً رغم براعة هذا الممثل الشديدة في تقمص أدوار الشر كما شاهدنا في المسلسل المذكور.