ذكر لي صديق بشيء من المرارة والحزن، قصته في أحد المستشفيات الخاصة، قال: كانت لدي مشكلات بسيطة في الأسنان والعيون، واخترت مستشفىً معيناً بناء على الدعاية الإعلامية له، لتكن المفاجأة أني لم أجد الطب، والتطبيب في هذا المستشفى، شعرت بأنهم يلتقفونني باستعجال لأن لدي تأميناً، وخوفاً من تركهم والبحث عن مستشفى آخر، فقلت لنرى؟ يقول الصديق: شعرت أني في محل للقصابين وليس في مستشفى، كان الطبيب الأجنبي يقدم العروض ويقوم بتقديم تخفيضات خاصة لي، ويقول الباقي سيدفعه التأمين، كأنه مسوّق ليس إلا يقول: تابعت هذا المشهد، فقلت له ممازحاً، لن أوافق إلا إذا حصلت على خصم بنسبة كذا، وحاول أن يظهر تعذر إمكانية تحقيق ذلك، فقلت له حسناً سأذهب إلى مستشفى آخر. لحق بي، ومازحني، وقال: (ليس لدينا أحدٌ يخرج زعلان) وقدم عرضاً آخر، غير أني ربطت موافقتي بإجراء فحص آخر بالمجان، وكل ذلك في إطار المزاح، طلب مني الجلوس، وأجرى اتصالاً وقال: الجماعة موافقون بس بشرط، الأسنان أولاً، ومن بعدها نعمل لك الفحص بالمجان، هذا جانب من واقع مستشفياتنا الخاصة للأسف؟ أما المستشفيات العامة في بلادنا، فهي كمن يقول للمواطن اذهب للقطاع الخاص، ليس لدينا لك علاج لتكتشف بأن الطبيب المختص هنا، هو ذاته في المستشفيات الخاصة، ناهيك عن مواعيدها طويلة الأمد، لدرجة أن أحد المستشفيات، وبعد عام اتصل على مريضة لتذكيرها بموعد عمليتها الجراحية التي حددت قبل عام، ليأتيه الرد، لقد توفيت والدتنا قبل ستة أشهر. لقد أقفلوا الهاتف، لم يمارسوا أية آداب اجتماعية، والسبب في هذه السلوكية هي البيروقراطية والمحسوبية، وثقافة «اللهم نفسي»، والبحث عن المظاهر الإعلامية، التي يهدرون عليها الملايين والذي من شأنه أن يزعزع الثقة بالقطاع الطبي، ويمس سمعة الطب في بلادنا، ولكن أين المسؤول.. أين الرقابة على مستشفياتنا؟ هناك شكاوى بخصوص ارتفاع أسعار المستشفيات الخاصة، ففي كل يوم يتحدث المواطنون عن مواقف كثيرة حول الفواتير الباهظة، والمُبالغ فيها، والتي تتضمن استغلال بعض المستشفيات الخاصة للمرضى، ورفع الأسعار عليهم، في الفحوصات وصرف أدوية، قد لا يحتاجها المريض وإلزامه بعمل الأشعة والتحاليل الطبية، التي أسفرت عن استنزاف موارده المالية، فمثلاً القطن لا يزيد ثمنه عن (20 ريالاً) لكنه يباع بـ(250 ريالاً) في المستشفيات الخاصة. السؤال .. من يحمي المريض من جشع المستشفيات الخاصة، فليس هناك قانون يوضح وعقوبات صارمة ضد الأطباء، والعيادات الخاصة والمستشفيات التي لا تنظر إلى الجانب الإنساني، بقدر ما ينظرون للكسب المادي، لماذا لا يكون هناك نظام صارم يوقف مسلسل التلاعب والتهاون بحقوق المرضى، والحل يكمن بتشكيل لجنة فعّالة تشرف عليهم وتستقبل الشكاوى. المستشفيات الحكومية في بلادنا على ما فيها من بعض الملاحظات إلا أنها أفضل من غيرها، وأن الكثير من الأطباء والاختصاصين السعوديين يضاهون الأجانب، وأن هذه القامات العظيمة من الأطباء السعوديين في زمن (البزنس) والتجارة يحاولون جهدهم الإبقاء على المهنة، ومعنى الطب الإنساني، وليس المادي من أن يلوث ويصبح عملية تجارية. نطالب الجهات المعنية والمشرفة على الصحة في بلادنا، فرض عقوبات صارمة، وغرامات مالية على هذه المستشفيات، ووضع حد لأسعار الخدمات الطبية، ولائحة عقوبات رادعة، ومحاكمة المتسببين فيها، كما يجب أن يحدد كل مستشفى أجور الإقامة، والخدمات والمعالجة فيه، بلوائح مطبوعة ومعتمدة، بحيث تعلق في أماكن بارزة في جميع المستشفيات. والحل الأمثل هو التشديد على الأنظمة والقوانين الطبية، فثمة هجرة للمرضى السعوديين للدول المجاورة، وبمواعيد دقيقة، وليس تجارة و(بزنس) ودعاية إعلامية، ومؤتمرات ليس لها معنى، ونأمل من المشرفين على الصحة في بلادنا، أن يُعاد النظر في شهادات البعض، بعد رحلة تزوير الشهادات الطبية، وأن يتم إحلال الكوادر السعودية بديلاً عن العمالة الوافدة، فأرواح الناس أمانة في أعناقهم.