ما إن خطرت ببالي فكرة هذه المقالة، وجلست أمام اللاب تب، حتى تلبسني الدور وبدأت أتوجس خيفة، ومع أنه لا يوجد أحد سواي بالغرفة، إلا أنه كلما كتبت حرفين أو ثلاثة تلفت يمينا ويسارا خوفا من أن تقع عين كائن ما على ما أكتبه، فيصوره قبل أن انتهي منه، وينشره عبر مواقع التواصل، مستغلا العنوان الصادم الذي اخترته ليدعي بأنني أنوي (نشر وثائق سرية)، أما المقدمة أو المدخل للموضوع فسيتجاهلهما عمدا كونهما لا يخدمان نواياه، ليركز على جسم المقال الذي سيوصله بالأدلة المتوفرة لذروة الحدث، وقبل أن أكتب خاتمة القضية التي تناولتها وأبدي الرأي والنصح حولها، يكون المجتمع قد أدانني بخيانة الأمانة!! الحقيقة شيء (يجعل العقل بالكف) أن تتابع بالمشاهد الحية والمحاضر الرسمية أحداث جريمة بشعة لم يمض على وقوعها أكثر من 24 ساعة، مسرح الحادثة الذي يفترض أن يطوق بالشريط الأصفر حتى ترفع البصمات ويقوم الطبيب الشرعي والمختبر الجنائي بمهامهم، جثة القتيل وهي لا تزال مضرجة بالدماء، ملامح الصدمة أو الارتباك التي تظهر على وجوه المشتبه بهم ساعة القبض عليهم، أقوالهم وتمويهاتهم وحتى اعترافاتهم الأولية القابلة للطعن، كل هذه لم تسلم من عبث كائن ما، فراح يصورها ويسربها لعموم الناس، حتى توهم كل منا أمام هذه المعطيات بأنه قاضي القضاة، فراح يرتدي المشلح ويقف على منصة المحمول مصدرا أحكامه!؟ هل تعلم بأن أي وسيلة إعلامية تنشر اسم أو صورة أي شخص بدون أخذ موافقته حتى وإن كان ذلك من باب الإطراء، فإنه بالإمكان مقاضاتها بتهمة استغلال صورته!!، وهل تعلم بأنه وإن كانت قضية رأي عام وذات جلسات علنية وهناك متحدث رسمي، فإن الإعلامي قد لا يفلت من العقوبة بحجة أن نقده لم يكن موضوعيا أو أنه مس بكرامة شخص معتبر بين أهله (أكيد الشين في عين أمه غزال)!! وهل تعلم بأنه وإن صدر حكم نهائي مصادق عليه من الاستئناف، فإنه لا يحق لأي جهة نشر اسم المحكوم عليه أو الرمز إليه ما لم يكن الحكم قد نص صراحة على عقوبة التشهير!! لقد ظل مجتمعنا، مدة من الزمن، أشبه ما يكون بذلك الصديق الذي كلما التقيته وجدت تورما وهالة سوداء تحيط بعينه، ومع أنك تعرف أنه غلط كالعادة وأخذ على دماغه، إلا أنك تتجنب سؤاله كي لا تحرجه!؟.