×
محافظة المنطقة الشرقية

الهلال يستهدف نقاط الاتفاق للتمسك بالصدارة

صورة الخبر

على رغم أن عرض «سبارتاكوس» الذي يعرض حالياً على المسرح الكبير في أوبرا القاهرة، من الرصيد الفني لفرقة الباليه المصرية، فإنه يمثل إطلالة جيدة هذا الموسم الذي أفتقد الإنتاج الجديد لعروض محلية وعالمية، كما أوجد له قيمة موسيقية وحركية في تاريخ هذا الفن. العمل قدمته الفرقة للمرة الأولى في العام 2010 بعدما عرضته في العام 2009 فرقة بيلاروسيا من تصميم فالنتين إيليزاريف الذي استعانت به الفرقة المصرية في تصميم عرضها الخاص الذي خرج بنسخة طبق الأصل عن تصميمه السابق. وهذه النسخة التي صمّمها إيليزاريف ليست المثالية في الرؤية التصميمية لهذا العمل، إلا أنها جاءت مناسبة للفرقة وكانت فرصة لاكتشاف أداء متميز لأعضاء الفرقة من الراقصين والراقصات، فضلاً عن وعي المدربين واجتهادهم وتوظيف جيد للديكور والإضاءة، وفريق عمل متكامل من الفنيين والمنفذين الذين أضافوا إلى العمل، ما جعل المقارنة بينه وبين العرض البيلاروسي لمصلحة العرض المصري. «سبارتاكوس» إحدى روائع مؤلف النصف الأول من القرن العشرين آرام خاتشادوريان الذي ولد في جورجيا عام 1903 وتوفي في موسكو عام 1978 ودفن في أرمينيا. تلقى تعليمه في موسكو، ويعد من كبار ممثلي المدرسة القومية ومعظم أعماله تتميز بنبرات شرقية مستمدة من الموسيقى الشعبية المتعددة المصادر التي صاغها ببراعة ساعدته فيها موهبته الفطرية في الابتكار اللحني والحيوية الإيقاعية. و «سبارتاكوس» من أعماله التي حظيت بشهرة كبيرة، خاصة بعدما تناولها سينمائياً في فيلم شهير لعب بطولته كيرك دوغلاس وتوني كيرتس، وتدور القصة حول العبد المصارع الذي قاد ثورة ضد حكم القيصر الروماني في عام 73 قبل الميلاد وحشد جيشاً يتكون من مئة ألف محارب وسيطر على إيطاليا لبعض الوقت. وفي العام 71 قبل الميلاد استطاع كراسيوس هزيمته وقتله. المصمم إيليزاريف الذي استعانت به الفرقة المصرية قدم هذا العمل للمرة الأولى في العام 1982، ومن هنا كان المتوقع أن يصاغ تناولها عام 2010 برؤية أخرى، أو أن تدخل عليه بعض التعديلات. لكن هذا لم يحدث، بل إن التصميم لم يهتم بالتفاصيل التاريخية وانصبّ اهتمامه على المشاعر والأحاسيس، ما جعل العرض يفتقد الحبكة الدرامية. وجاءت المشاهد طويلة من الرقص من دون تصاعد في الحدث الدرامي، ما جعل الملل يتسرب إلى المتفرج. حتى المشاهد التي تحتوي على ذروة درامية جاءت باهتة، مثل موت سبارتاكوس أو اكتشافه أنه قتل صديقه أثناء المبارزة بينهما لتسلية الرومان. كما جاءت مشاهد الحروب ضعيفة معتمدة على الرمز. ولأنه ليس هناك تسلسل درامي كان هناك انتصار دائم للشر الذي كانت مشاهده كثيرة وطويلة، بينما أتت مشاهد انتصار العبيد قصيرة، ففقد العمل التوازن الدرامي. في هذه النسخة استغنت الفرقة المصرية عن شخصية مهمة في الأحداث، وهي إيجينا (جارية كراسيوس) التي دبرت مكيدة مقتل سبارتاكوس، وهي أحد عناصر العمل الدرامية والحركية وكانت السوليست الرابعة في هذا العمل، كما أن مقاطعها الموسيقية التي اختزلت تعدّ من صميم البناء الموسيقي لهذا العمل. ومقابل التقصير الدرامي، كان هناك تفوق في التناول الحركي والرقص، خصوصاً في اللوحات الجماعية التي تضمنت تشكيلات رائعة، إذ تم استخدام الأطراف بشكل جيد مثل حركة الكف المفتوحة والأصابع المفرودة مع فرد إحدى الرجلين ورفع الذراعين، وحمل البطلة في الرقصة الثنائية بين سبارتاكوس وزوجته فريجيا متضمنة العديد من الحركات الاستعراضية الماهرة. لم يكن هناك اهتمام بشخصية كراليوس من الناحية الحركية، على رغم ما تحمله من قيمة درامية، فهي تعبر عن مشاعر متضادة، مثل الشر والغيرة والغرور والضعف والتوسل. وهذا التضاد ميز إبداع خاتشادوريان عامة وفي هذا العمل بشكل خاص. راقصو الفرقة المصرية كعادتهم كانوا مفاجأة العرض، لكن يبدو أنه لم يُستعَنْ بطلبة معهد الباليه الذين شاركوا في العرض الأول عام 2010، ما جعل التشكيلات الجماعية الكثيرة التي يتطلبها العمل فقيرة في العدد. ويبدو أن إدارة الفرقة لم تتمكن من الدمج بين المعهد والفرقة، والذي كان يحققه الفنان الراحل عبدالمنعم كامل مؤسس الفرقة الذي أُنتج هذا العمل تحت إشرافه ويُقدم الآن تكريماً له في ذكرى وفاته. أعضاء الفرقة تميزوا بلياقة جسدية ومهارة حركية، فقد كان هناك توحد داخلي في إيقاع جميع الراقصين ولم نجد حركة شاذة بل انسجاماً في الحركة اتسم بانضباط يليق بالفرق الكبرى. والفضل يعود هنا إلى المدربين مجدي صابر ولمياء زايد وشريف بهادر وألاتشيتلوفا وألكسندر كرينيوك وأرمينيا كامل. أما بطلا العمل أحمد يحيي وهاني حسن، اللذان تبادلا دور سبارتاكوس، فكان أداؤهما عالي المستوى، فالأول لديه توافق عضلي عال وتقنية قوية ونفس طويل اتضح في المشاهد الثنائية. أما هاني حسن، فيملك قدرة تعبيرية كبيرة مغلفة بالإحساس. وقد ساعده على الأداء موهبته وخبرته ونضجه، ما ساهم في تعميق العمل عموماً، كما أن له حضوراً مسرحياً واضحاً. وإن كان أثبت نفسه من قبل في عدد من البطولات المهمة، فإنه في هذا العمل ثبّت قدميه كمحترف عالمي. أما بطلات العمل آنيا أهسين وكاتيا إيفانوفا وكاتيرينا زيبرزنها، اللواتي تبادلن دور فريجيا زوجة سبارتاكوس، فقد كان كل منهن على درجة عالية من الإتقان لأنهن جمعن بين التعبير والحركة الخفيفة والإحساس العالي بالشخصية. وكان من الملاحظ حسن اختيار الثنائيات، إذ كان هناك توافق واندماج جميل تتطلبه المشاهد الثنائية الكثيرة التي يحفل بها التصميم. المفاجأة الثانية في هذا العرض، ديكور المصمم محمود حجاج، الذي جمع بين الإبهار والتعبير عن الأحداث. وقد اعتمد على مفردات الفن الروماني، فجعل المسرح نصف دائري واستعان بالأعمدة الأسطوانية واعتمد على الستائر ذات النقوش الرومانية الشهيرة، وكان هناك التماثيل الخاصة بالآلهة اليونانية. وفي الفصل الثاني، حاول حجاج إظهار الفخامة من طريق الأعمدة المذهبة، وكان للإضاءة التي تولاها رضا إبراهيم دور مهم، خصوصاً أنها توحدت مع الديكور كأنهما كيان واحد، بحيث كان المسرح كله يأخذ لوناً واحداً يتناسب مع الحدث. ففي المشاهد الرومانسية التي جمعت بين سبارتاكوس وزوجته، كان هناك اللون الأزرق، وفي المشهد الأخير ينقلب المسرح إلى اللون الأحمر. كانت الإضاءة مشرقة، أي اعتمدت على اللون، ومما لا شك فيه أن الديكور والإضاءة إضافة بصرية دخلت في صميم العمل ورفعت شأنه. قاد باليه «سبارتاكوس» المايسترو المصري المجتهد ناير ناجي، الذي سبق أن قاده في العرض الأول، لهذا لن نُدخله في مقارنة مع القادة الروس الذين سبق أن شاهدناهم، لكن تُحسب له هذه المحاولة الجادة التي استطاع أن يحافظ فيها، إلى حد ما، على أسلوب خاتشادوريان بإيقاعاته المتدفقة وابتكاراته اللحنية وتلوينه الأوركسترالي الزاهي الذي يعكس رنين الآلات الشعبية وتوظيفه آلات الأوركسترا، لنستمع فيها إلى نغمات ذات ظلال شعبية. أما عازفو الأوركسترا الذين يؤدون العمل للمرة الثانية، فكانوا على مستوى عال، وقد برزت فيهم المجموعة الإيقاعية ومجموعات النفخ الخشبي والنحاسي ومجموعة الوتريات والهارب. سبارتاكوس