أحمد محمد (القاهرة) اجتمع رؤساء قريش عند الكعبة، فقالوا ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه، فجاءهم صلى الله عليه وسلم سريعاً، وكان عليهم حريصاً يحب رشدهم، فقالوا، إنا والله لا نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وسفهت الأحلام، وشتمت الآلهة، وفرقت الجماعة، وما بقي أمر قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت إنما جئت بهذا لتطلب به مالاً جمعنا لك ما تكون به أكثرنا مالاً، وإن كنت تطلب الشرف سودناك علينا، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم ولا للشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله عز وجل بعثني إليكم رسولاً، وأنزل علي كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً، فبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم»، قالوا: يا محمد، إن كنت غير قابل ما عرضنا، سل ربك فليسير هذه الجبال التي ضيقت علينا، ويبسط لنا بلادنا، ويجري فيها أنهاراً، وأن يبعث لنا من مضى من آبائنا، فنسألهم عما تقول، أحق هو؟ فإن صنعت صدقناك، وعرفنا به منزلتك عند الله، فقال رسول الله: «ما بهذا بعثت، إنما جئتكم من عند الله سبحانه بما بعثني به، فقد بلغتكم ما أرسلت به»، قالوا فإن لم تفعل فسل ربك أن يبعث لنا ملكاً يصدقك، وليجعل لك جناناً وكنوزاً وقصوراً من ذهب وفضة ويغنيك بها عما نراك، فإنك تقوم في الأسواق كما نقوم، وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما أنا بفاعل، وما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بعثت بهذا إليكم، ولكن الله تعالى بعثني بشيراً ونذيراً»، قالوا فأسقط علينا كسفاً من السماء، فقال: «ذلك إلى الله إن شاء فعل»، فقال قائل منهم، لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً، وقال آخر، لا أؤمن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلماً وترقى فيه، وتأتي بنسخة منشورة، ونفر من الملائكة يشهدون لك، فانصرف رسول الله حزينا، فأنزل الله تعالى: (وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا)، «سورة الإسراء الآيات 90 - 93». قال ابن كثير، هذا المجلس الذي اجتمع هؤلاء له، لو علم الله منهم أنهم يسألون ذلك استرشاداً لأجيبوا إليه، ولكن علم أنهم إنما يطلبون ذلك كفراً وعناداً، فقيل للرسول: إن شئت أعطيناهم ما سألوا، فإن كفروا عذبتهم عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، وإن شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة، فقال: «بل تفتح عليهم باب التوبة والرحمة»، والينبوع هو العين الجارية، ولو شاء لفعله ولأجابهم، ولكن علم أنهم لا يهتدون، ولا أحد يتقدم بين يدي الله في أمر من أمور سلطانه وملكوته، هو الفعال لما يشاء.