إعداد: محمد هاني عطوي في 6 من فبراير/شباط 2016، سقط أحد النيازك من السماء في ولاية تاميل نادو جنوب الهند، وأصاب سائق حافلة يسمى كاماراج، كانت هذه هي المرة الأولى التي يذهب فيها إنسان ضحية جسم سماوي، السلطات الهندية وغيرها أخذت الموضوع على محمل الجد، لأن خطر سقوط النيازك والشهب الكبيرة يتزايد فوق المدن المأهولة، فهل الأمر كان مجرد صدفة لحكاية تسرد، أم أنها صورة لسيناريو نهاية العالم. ولنا بالطبع أن نتخيل تلك الصدمة الناتجة عن سقوط هذا الحجر، الذي بلغ وزنه كيلو جراماً تقريباً، وسقط بسرعة تزيد على 200 كم / ساعة، ليصيب هذا الهندي الذي ذاع صيته في جميع أنحاء العالم، علماً بأنه لم تزل هناك بعض الشكوك حول الأمر، وما زال التحقيق مستمراً. كان من غير الوارد مطلقاً، وقوع مثل هذا الحدث الذي يعتبر الأول من نوعه حتى الآن، فمنذ مطلع القرن العشرين، تضررت آلاف المباني والسيارات بصخور فضائية صغيرة، وتعرض البعض من سيئي الحظ، الذين تصادف وجودهم في المكان لإصابات طفيفة، ولكن صخور السماء تلك لم تقتل أحداً حتى ذلك التاريخ، وعند متابعة القنوات الإخبارية بشكل مستمر، فإن فرص الاضطراب إزاء هذه الأحداث ليست نادرة، كحدث تساقط زخات من الشهب فوق مدينة غرونوبل الفرنسية في 17 فبراير الماضي، أو كمرور كتلة يبلغ قطرها 30 متراً بالقرب من الأرض الكويكب 2013 TX68، يوم 5 مارس/آذار الماضي. ويمكن للمرء أن يتصور الفضاء بين الكواكب كحقل رماية حقيقي تماماً، حيث تلتحم بسرعة تزيد على 70 ألف كم / ساعة، كمية من الكويكبات التي تعبر مدار الأرض، وهي تسير في طريقها في هذا الفضاء الشاسع، ولكن بصراحة من يخشى أن تقع على رأسه ذات صباح، وهو يتناول وجبة الإفطار، قطعة من هذا الحطام الكوني؟ تقريباً لا أحد. ولكن وفقاً لحسابات مارك بوسلوغ، الفيزيائي المتخصص بالاصطدامات الكوكبية في مختبرات سانديا الولايات المتحدة الأمريكية، فإن خطر التعرض لإصابة مباشرة بنيزك أو شهاب يعادل شخصاً واحداً في العالم كل عشر سنوات، أي بمعدل فرصة من أصل 100 مليار فرصة، وينبغي أن نعلم أن حوالي 40 طناً من الشهب والنيازك تسقط كل يوم في الغلاف الجوي، على شكل غبار، دون أن تصيب أحداً، لأن معظم هذه الشظايا تتفتت قبل أن تصل إلى الأرض، ومن المرجح أن تصل بقية منها إلى مكان غير مأهول بالسكان كالمحيطات التي تمثل 71٪ من سطح الكوكب، ناهيك عن الصحارى والغابات الشاسعة، إلخ. 1168 حالة وفاة سنوياً ولكن لو نظرنا إلى إحصائية الفرصة، من أصل 100 مليار فرصة، سنجد أنها ليست ذات أهمية، ولذا يبدو أن حادثة وفاة كاماراج بالنيزك، تدخل ضمن فئة رجل يسمى إسخيلوس، الذي توفي جراء سقوط سلحفاة، ألقاها أحد الطيور الجارحة أثناء تحليقه، وربما تضيء النسبة السابقة حقيقة التهديد الذي ينتظر سكان الأرض، من الأجسام الفضائية، حتى لو استغرق الأمر وقوع ذلك الحادث في فبراير 2016، فالنيازك التي تسقط على الأرض توقع في المتوسط كل عام، أكثر من 1000 حالة وفاة، وعلى وجه التحديد 1168، وفقاً لآخر التقديرات، فكيف نوفق بين هذا التناقض؟ الأمر بسيط، إذ ليس بالضرورة أن تسقط هذه الأجسام مباشرة فوق رؤوسنا، لأن الكبيرة منها، التي يبلغ قطر بعضها 10 كم، قادرة على القضاء على معظم الحياة البشرية، وهذا ما حدث للديناصورات قبل 65 مليون سنة، ووفقاً لحسابات آلان هاريس، من معهد علم الكواكب في برلين، فإن مثل هذا النوع من الكويكبات، الذي يسقط كل 100 مليون سنة، يمثل بالنسبة لعدد سكان الأرض الذين يبلغ تعدادهم 7 مليارات نسمة، حوالي 70 حالة وفاة سنوياً، أو 70 مليون نسمة كل مليون سنة، يضاف إلى ذلك تلك الاصطدامات التي تحدث بشكل أكثر تواتراً، كالنيازك التي يصل قطرها إلى كم واحد، أو مئة متر، والتي يمكن أن تدمر بلداً مثل اليابان، أو مناطق حضرية كبيرة مثل لندن أو موسكو، على حد قول ديفيد بونسالين، الباحث في معهد الميكانيكا السماوية، وحساب التقويم الفلكي بباريس. والنتيجة التي توصل إليها آلان هاريس، هي أنه مع الأخذ بعين الاعتبار مجموعة كاملة من الأجسام القريبة من الأرض، فإن ما يقرب من 1200 حالة وفاة، يجب أن تقع سنوياً، جراء هذه الأجسام، لكن حتى الآن كانت جميع الحالات خيالية، إلا في واحدة، وقعت لذلك الرجل الهندي هذا العام. وتثير مسألة الأجسام الفضائية حفيظة البعض إلى حد الرعب، إذ كان يكفي وقوع حدث نيزكي واحد فقط، ليحل خبره محل أسوأ الكوارث الطبيعية، التي يمكن تخيلها، وبالفعل أخذت المشكلة على محمل الجد، حيث فتحت وكالة ناسا في أوائل يناير/كانون الثاني، مكتباً للتنسيق للدفاع عن الكوكب، كما أن الميزانية المخصصة لكشف ورصد الأجرام السماوية المهددة للأرض، قد تضاعفت 12 مرة منذ عام 2010، في الوقت الذي أعدت فيه الأمم المتحدة مجموعة عمل حول آليات اتخاذ القرار في حالة خطر الاصطدام مع الأرض. حسابات مترددةوينبغي القول إن الكشف عن مثل هذه الأجسام التائهة، يعتبر تحدياً مستمراً للبشر، ويعتقد جيريمي فوباييون، من مرصد باريس، أن البشر ليسوا قادرين إلا على اكتشاف الأجسام الأكبر والأبطأ، مع ضرورة تحقق الشروط المثلى لهذا الكشف. ويضيف جيري بوروفيشكا المتخصص في الشهب والنيازك في الاتحاد الفلكي الدولي، أن ما يشاهد من السماء بواسطة التلسكوبات الأرضية، يصل إلى 60٪ فقط، والباقي يتعرض للتلوث بأشعة الشمس. ويضيف أن حسابات احتمالات التصادم بالأرض، هي محاكاة لفترة تمتد لأكثر من قرن، ولذا تبقى في بعض الأحيان مترددة إلى درجة تنذر بالخطر. ويلمح الباحث إلى الكويكب أبوفيس، الذي بلغ طوله 325 متراً، والذي أظهرت حساباته في ديسمبر/كانون الأول عام 2004، احتمالاً للتصادم مع الأرض، في 13 إبريل /نيسان عام 2029، يبلغ فرصة من أصل 37 فرصة. تبقى المخاطر ماثلة حيث يقول البعض إننا يجب أن نركز الآن على الإشارات الأضعف في الفضاء، للتحضير لمنع الاصطدامات خلال العقود المقبلة، لأن التهديد الأكثر احتمالاً يأتي من أجسام كبيرة يتراوح قطرها بين 20 - 40 متراً، ويكفي أن نتذكر كيف اهتز العلماء أمام نيزك تشيليابينسك 19 متراً، الذي تحطم في منطقة الأورال في 15 فبراير/شباط 2013، وأوقع 1200 جريح، وألحق ضرراً ب 7000 مبنى ومصنع. يقول بيتر جينيسكن: يظهر لنا هذا الحدث كيف أن أجساماً يبلغ قطرها 20 متراً، يمكن أن تكون خطرة، فالصدمة كانت قوية بما يكفي لرمي الناس في الهواء، وتفتيت النوافذ وإطارات النوافذ، لقد كنا محظوظين حقاً، إذ لم تقع ضحايا حينها. ويرى الباحث أنه لا ينبغي علينا الاعتماد على الحظ في المرة القادمة، لأن الخطر الذي تشكله الكويكبات، لا يتمثل فقط في ضرب الأرض، ولكن في انفجارها وتفككها في الغلاف الجوي، ما قد يتسبب بحدوث موجة صدمة تشبه كثيراً الانفجار النووي. ويلمح الباحث إلى أن النيزك تشيليابينسك، تفتت على ارتفاع 30 كم، وأن مرور هذا السيار الثقيل الذي بلغ وزنه 10 آلاف طن، والمنطلق بسرعة بلغت 19 كم في الثانية، حرر طاقة تعادل 500 ألف طن من مادة تي إن تي، أي ما يعدل ثلاثين مرة انفجار قنبلة مثل قنبلة هيروشيما الذرية. وعند البحث في أرشيفات أنظمة الكشف العسكرية، استطاع الباحثون الكشف عن ظاهرة أخرى فائقة العنف، حدثت في 3 أغسطس/آب 1963، بالقرب من جزيرة ماريون، في المحيط الهندي، حيث وقع انفجار يعادل انفجار مليون طن من مادة تي ان تي. ويشير مارك بوسلوغ إلى أن التقديرات الحديثة سمحت للباحثين بإعادة تقييم مخاطر الاصطدام مع كويكب من هذا النوع، ويضيف: كان الاعتقاد حتى الآن بأن هذا النوع من السيارات يصطدم في الغلاف الجوي مرة واحدة في القرن، لكن التقديرات الراهنة تشير إلى مرة واحدة كل 35 سنة، ولذا يصبح من الواضح وبشكل متزايد، أن هذه الأجسام تمثل خطراً كبيراً، وربما من شأن الكويكب أو النيزك المقبل الذي يمكن أن يؤذي أو يقتل من فئة الثلاثين متراً على الأرجح، لكن المشكلة هي أن صغر حجم هذه القنابل السماوية، يجعل من الصعب كشفها، لأنها ترسل ضوءاً ضعيفاً جداً، ولذا اكتشفنا فقط 2250 كويكباً يبلغ قطرها أقل من 30 متراً، من أصل فئة أعدادها بالملايين. ويقول دونالد يومانس رغم أن هذه الأجسام لا تقصدنا بالضرورة، إلا أن الإحصاءات تخيف بالفعل، خاصة أن عمل جرد كامل يبدو اليوم مستحيلاً، وثمة خطر اكتشاف هذه الأجرام في آخر لحظة. ويرى البعض أنه لمنع وقوع كارثة في المستقبل، ينبغي أن نكون قادرين على اكتشافها لدى اقترابها النهائي، أو قبل الصدمة المميتة، ولذا وضعت ناسا للتو نظام إنذار متقدماً، يسمى أطلس، ويتألف من ثمانية تلسكوبات تهدف إلى الكشف عن الكويكبات الصغيرة، التي توشك على الاصطدام بالأرض، والهدف بالطبع يتمثل في إخلاء المناطق التي يمكن أن تتأثر بالتصادم. لذا تصبح اليقظة أمراً لا غنى عنه، وقد وضعت الوحدة الجديدة في حالة تأهب للدفاع عن الكوكب من قبل وكالة ناسا، وتتواصل مع هيئات تعمل في مجال الأمن المدني، في حين أن إدارة حركة الملاحة الجوية الأوروبية يوروكونترول تناقش أفكاراً حول هذا الموضوع. اصطدامات متوقعة ركزت ناسا على الأجسام الأكثر قرباً من الأرض، والتي يمكن أن تسبب ضرراً على المستوى العالمي أو القاري، وبهذا الصدد، يقول دونالد يومانس، المسؤول عن برنامج مراقبة الأجسام القريبة من الأرض في الوكالة: حددنا أكثر من 90% من الأجسام التي تنتمي إلى مجموعة الكويكبات الكبيرة، التي يبلغ قطرها أكثر من 1 كم، ووجدنا أن أياً منها لا يشكل تهديداً للأرض. ويضيف: التقييمات هي أقل أهمية بالنسبة للكويكبات، التي يتراوح قطرها ما بين 140 م و1 كم، علماً بأنه قد رصد ربعها فقط، ولسد هذه الثغرة، يجري حالياً بناء تلسكوب جديد في تشيلي، فضلاً عن إرسال قمر صناعي، والهدف منه الكشف عن الأجرام التي تهدد الأرض لعدة سنوات، أو حتى لعقود قبل اصطدامها المحتمل. وتعتقد ناسا أن احتمال الاصطدام مع أحد الكويكبات المؤرشفة المرصودة يبلغ 0.01% فقط للقرن المقبل، فضلاً عن أن خطر الاصطدام بات أقل احتمالاً، نظراً للحلول الموضوعة قيد الدراسة، لتشتيت مثل هذه الأجرام. وبطبيعة الحال، يظل خطر الاصطدام موجوداً أمام أجسام تفلت من رصد الرادار، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2013، اكتشفت ناسا جسمين كبيرين، يزيد قطرهما عن 20 كم، في مسار غير متوقع، لكن لحسن الحظ، كانا غير خطيرين، في الوقت الذي يمكن فيه لمذنب أن يصل إلينا فجأة من أعماق النظام الشمسي. استمرار المراقبة يحاول مهندس الفضاء في جامعة ساوثهامبتون، كليمنس رومف، أن يخفف من وقع الخوف على الناس، حيث يقول: ليس لأننا نكتشف المزيد من النيازك، أن التهديد الفعلي قد تغير. ويضيف هذا الباحث المتخصص في مسارات النهائية للنيازك، أن النيازك لم تمثل أبداً قضية مركزية، وهذا التدفق من المعلومات الجديدة، لا ينبغي أن يغير هذا الموقف، ويجب علينا مراقبتها بشكل واضح، ولكن أيضاً لا ينبغي أن يمنعنا ذلك من النوم. ويتابع: حتى ولو لم يعلن قبل 6 فبراير/شباط عن أي حالة وفاة، بسبب سقوط نيزك، وحتى ولو كانت الإحصاءات في مصلحتنا، فلا يمكن أن نمنع أنفسنا من رؤية الموت المأساوي لكاماراج كشيء آخر، وليس مجرد خبر بسيط، لأن هذه الحادثة هي تجسيد لخطر يشير إلى أن السماء يمكن أن تسقط على رؤوسنا يوماً ما، وحتى لو كان ذلك الخطر صغيراً، لكنه يبقى حقيقياً جداً. جولة تاريخية }} قبل 65 مليون سنة، سقط النيزك تشيكسولوب في المكسيك، وقدر العلماء قطره ب 10-20 كم، وتسبب بانقراض الديناصورات. }} في يونيو/حزيران 1908 سقط النيزك تونغوسكا، قطره 40 متراً، في سيبيريا، ودمر مساحة قدرها 1000 كم مربع من الغابات. }} في ديسمبر/كانون الأول 2004، قدرت ناسا فرص اصطدام النيزك أبوفيس، و قطره يبلغ 325 متراً، بالأرض في 13 أبريل/نيسان 2029، بمعدل فرصة من أصل 37 فرصة، لكن ثبت خطأ ذلك في ما بعد. }} في 15 فبراير 2013، تحطم فوق جبال الأورال، النيزك تشيليابينسك، الذي بلغ قطره 19 متراً، وقد أوقع أكثر من 1200 جريح، وأحدث ضرراً على نطاق واسع.