محمد عباس ناجي لا يبدو أن الأزمة السورية، التي قاربت على دخول عامها السادس، مقبلة على تسوية سياسية في الأمد القريب. فالخلافات القائمة بين القوى المعنية بها ليست هامشية ولا يمكن احتواؤها بسهولة، لاسيما في ظل إصرار تلك القوى على عدم تغيير سياستها بشكل يمكن أن يساعد على الوصول إلى حلول وسط تدعم من احتمالات إبرام مثل هذه التسوية. الخلافات التي يتسع نطاقها تدريجياً بشكل واضح بين القوى الدولية والإقليمية بدت جلية في جلسة مجلس الأمن الدولي التي عقدت في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2016، وشهدت رفض مشروعي قرار روسي وفرنسي (بمشاركة إسبانية) بشأن الأزمة السورية. كما أنها كانت حاضرة في اجتماع لوزان الذي عقد في 15 أكتوبر الحالي، وشارك فيه وزراء خارجية تسع دول معنية بالأزمة، ولم يخرج بنتائج بارزة قد تساعد في الوصول إلى اتفاق جديد لوقف الأعمال القتالية، وتهيئة المجال أمام إدخال المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة خاصة في حلب، التي تحولت في الفترة الحالية إلى المحور الرئيسي للصراع بين النظام السوري وقوى المعارضة لتكريس توازن قوى جديد يساعد في دعم موقع أي من الطرفين في أية مفاوضات قد يتم إجراؤها في المستقبل. ويمكن القول إن إخفاق مجلس الأمن في التوصل إلى توافق بين القوى المعنية بالأزمة بشكل يمكن أن يساعد في استصدار قرار جديد لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية، فضلاً عن عدم خروج اجتماع لوزان بنتائج بارزة، يعود إلى اعتبارين رئيسيين: يتمثل أولهما، في إصرار روسيا على مواصلة رفع مستوى دعمها للنظام السوري وتكريس وجودها العسكري داخل سوريا، من خلال تحويل قاعدة حميميم إلى قاعدة عسكرية دائمة، ونشر منظومتي صواريخ أنتي 2500 (إس 300 في) وإس 400 للدفاع الجوي من أجل حماية قواتها العسكرية، إلى جانب إرسال حاملة طائرات إلى شرق المتوسط قبالة السواحل السورية استعداداً لأي تصعيد عسكري محتمل، وطرح مشروع قانون على البرلمان الروسي لتعديل قانون تعاقد الضباط والجنود مع القوات المسلحة، بشكل سوف يمكنها من إضفاء شرعية على وجود بعض العناصر الروسية غير الرسمية في سوريا، حيث تشارك في العمليات العسكرية إلى جانب القوات النظامية التي تتحرك بغطاء جوي روسي. إصرار موسكو على تبني تلك السياسة يعود إلى حرصها على حماية مصالحها في سوريا والمنطقة، وعدم تكرار ما تسميه ب النموذج الليبي، إلى جانب منع سوريا من التحول إلى نقطة انطلاق للتنظيمات الإرهابية التي تسعى لاستهداف أمنها ومصالحها. ومن هنا، فإن روسيا ترى أن بداية الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة يحتاج إلى فصل التنظيمات المتطرفة عن المعارضة السورية المعتدلة التي يمكن أن تشارك في المفاوضات المحتملة مع النظام السوري، وهو مطلب يواجه عقبات عديدة، يأتي في مقدمتها صعوبة الوصول إلى آلية للفصل بين قوى المعارضة والتنظيمات الإرهابية، إلى جانب الانهيار المتتالي لاتفاقات وقف الأعمال العدائية، وآخرها الاتفاق الذي توصل إليه وزيرا الخارجية الأمريكي جون كيري والروسي سيرجي لافروف في 9 سبتمبر الماضي وبالطبع، فإن عدم القدرة على مواصلة العمل بمثل تلك الاتفاقات يعود إلى انعدام الثقة واتساع نطاق الخلافات بين الأطراف المعنية بالأزمة، إلى جانب الثغرات التي شابت تنفيذها وأدت في النهاية إلى العودة من جديد للتصعيد العسكري من جانب الأطراف المختلفة، خاصة بعد توجيه اتهامات متبادلة بالمسؤولية عن الهجوم على قافلة الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية في شمال سوريا بالقرب من حلب، في 19 من الشهر ذاته. وينصرف ثانيهما، إلى الخيارات المحدودة التي باتت متاحة أمام إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما. فرغم أن انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الأخير واستمرار التصعيد العسكري، دفع الإدارة إلى التلميح لإمكانية التفكير في استخدام الخيار العسكري، إلا أن ثمة اعتبارات عديدة تشير إلى أن ثمة عقبات عديدة تحول دون حدوث ذلك. إذ إن الولاية الرئاسية لأوباما قاربت على الانتهاء بشكل لن يساعد إدارته على اتخاذ أية خطوات إجرائية حاسمة في هذا السياق، بما يعني أنها سوف تتجه في النهاية إلى نقل الملف السوري إلى الإدارة القادمة من دون تغييرات كبيرة. ويبدو أن هذا السبب تحديداً يحظى باهتمام خاص من جانب روسيا، التي تدرك أهمية تثبيت دورها كطرف رئيسي لا يمكن تجاهله في الأزمة قبل وصول الرئيس الأمريكي الجديد إلى البيت الأبيض. فضلاً عن ذلك، فإن إدارة أوباما مازالت مصرة على منح الأولوية للحرب ضد تنظيم داعش، الذي يمثل، وفقاً لاتجاهات عديدة داخل واشنطن، الخطر الأهم الذي يواجه أمن ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة والعالم، خاصة أن العمليات العسكرية التي يشنها التحالف الدولي وبعض الأطراف الأخرى لم تؤد إلى القضاء على القسم الأكبر من قدراته، رغم الخسائر البشرية والعسكرية التي تعرض لها، بدليل أنه تمكن من نقل عملياته الإرهابية من الشرق الأوسط إلى عواصم أوروبية وآسيوية عديدة خلال الشهور الأخيرة، على غرار باريس وبروكسل ودكا. والأهم من ذلك، أن الإدارة الحالية تضع في اعتبارها ردود الفعل الروسية التي ربما تكون غير متوقعة في حالة ما إذا اتجهت الأولى إلى التصعيد العسكري، إذ إن الاستناد إلى هذا الخيار يمكن أن يهدد بوصول التوتر مع روسيا إلى درجة غير مسبوقة. وقد بدا ذلك جلياً في التحذيرات التي وجهتها روسيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في 6 أكتوبر الحالي من مغبة إقدامها على مهاجمة مواقع للجيش السوري، خاصة أن تلك الهجمات يمكن أن تستهدف الجنود الروس في سوريا. فقد ألمحت روسيا إلى أنها سوف تتعقب مثل تلك الضربات، حيث أشارت إلى أن أطقم منظومات الدفاع الجوي إس 300 وإس 400 لن يكون لديها الوقت الكافي لتحديد مسار تلك الصواريخ أو من أي اتجاه تم إطلاقها. وهنا، ربما يمكن القول إن الخيار المتاح أمام الإدارة الأمريكية في الوقت الحالي يتمثل في مواصلة السعي للوصول إلى توافقات مع القوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة، بهدف تجديد العمل باتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما يبدو جلياً في عودة واشنطن من جديد إلى عقد اجتماعات مع روسيا وبعض القوى الإقليمية الأخرى، على غرار اجتماع لوزان، الذي ربما يمثل بداية لتنظيم لقاءات أخرى قد تؤدي في النهاية إلى التوافق على وقف العمليات القتالية وإدخال المساعدات الإنسانية، وهو الحد الأدنى من الأهداف التي يمكن تحقيقها في الوقت الحالي، بسبب صعوبة الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة، على ضوء استمرار صراع الإرادات الدولية في سوريا.