هل انخفضت شعبيته وفقد بريقه؟ لماذا إذن لم تعد مقالاته تقرأ كما كانت؟ ولماذا يصعب تحديد الجهة التي يقف فيها.. أسئلة أجاب عنها بوضوح الكاتب المصري فهمي هويدي، وأعقبها أيضا بذكر رأيه في الشباب الذين ينتقدونه وتحدث عن قراءته لأعمالهم كما وجه نصائح لهم. في هذا الحوار الذي أجريناه على هامش مشاركة الكاتب في فعاليات مؤتمر يبحث في سيناريوهات مستقبل المنطقة بعد الأزمة الحالية نظمه "منتدى الشرق" في إسطنبول، وقد رأينا أن يكون محور حديثنا معه يدور عن تلك العلاقة التبادلية بينه وبين الشباب، كيف يرونه وكيف يراهم.. على أي مسافة يقف منهم؟ وبماذا ينصحهم أن يفعلوا في رحلتهم لتغيير الواقع. وفيما يلي نص الحوار: هل تشعر أن شعبيتك بين الشباب انخفضت منذ 2013؟ هذا انطباع عام قد يعززه انخفاض عدد من يقرأون مقالاتك أو يشاركونها على الشبكات الاجتماعية؟ لا أظن ذلك، بل أعتقد أن قراء مقالاتي تزايدوا بعد 2013، ففي ذلك الوقت كنت أكتب والإخوان ما زالوا في السلطة، وبعد ذلك صرت مشغولاً بالوطن بشكل عام وليس بقضية الإخوان وحدها، وهذا وسع دائرة القراء، ولم ينقصها كما يقول البعض. الشباب يشعر أنك تخليت عنهم في فترة تحتاج إلى الشجاعة، ويتهمونك بإمساك العصا من المنتصف في مواقفك السياسية، فما ردك لم يحدث هذا، أنا أكتب في حدود السقف المتاح، ولم أقل كل ما عندي، لكنني لم أغالط أحداً، وبالمناسبة أنا مشغول بهموم الوطن بشكل عام أكثر من انشغالي بالشباب، ولم يحدث أن كتبت شيئاً عن غير اقتناع، وإنما كنت أعبر عن قناعاتي بدرجات متفاوتة، ولم يحدث أن غيرت تلك القناعات يوماً ما، كما أنني لم أكن في يومٍ مشغول بالرد على القارئ، بقدر ما كنت مشغولاً بإرضاء ضميري والتحدث عن هموم الوطن. هل تتوقع أن تتخذ السلطة إجراء ضدك إذا ما كتبت شيئاً مخالفاً لوجهة نظرهم بقوة؟ أنا حريص ألا أستفزّ السلطة، أنا أخالفها ولا أستفزّها، وقد يكون لصدى ما أكتب تأثير ما، لكن إذا كان هناك كاتب يريد أن يحتفظ باستقلاليته واحترامه، فلا بد أن يدفع ثمن هذا الاستقلال، والثمن قد يكون المنع من السفر أحياناً أو الدخول في قضايا أو التضييق عليه في المجالات العامة، لكنه ثمن واجب الدفع، وهو الأصل في المجتمعات غير الديمقراطية. لو كانت لك نصيحة للشباب الآن، فما الذي يمكن أن توجهه إليهم؟ أولاً موضوع التسلح بالمعرفة هام جداً، وأعتبر أن الاختلاف في التحدي من قُطر إلى قُطر يختلف، فمثلاً إذا سألت الشاب الفلسطيني عن ذلك الموضوع فسيختلف رأيه عن الشاب المصري، ولكن في النهاية لا بد أن يتعلق بأحلامه ولا يتخلى عنها ولا يسارع إلى الإحباط، لأنه هناك سرعة لإطلاق الحلم وسرعة لإجهاضه، وبالتالي أتمنى أن يظل الفرد وفيًا لثقافته، ثانياً يظل مُصِر على أحلامه، أياً كانت أحلامه، سواء في الرياضة أو الثقافة أو المعرفة. لو كان أمام الشباب 3 خيارات لمحاولة تغيير الواقع العربي: إما العمل السياسي السري (السلمي)، أو العمل الحزبي والاجتماعي العلني، أو جماعات الرفض والعنف.. فبمَ تنصح؟ أنصحهم بضرورة الانخراط في نشاط مثل منظمات المجتمع المدني، فأنا ضد العمل السري لأنه يضيع مستقبل الشباب ويجهض أحلامهم، من يجد قناة للعمل المدني لا بد أن ينخرط فيها ويجد وسيلة للتعبير الآمن، ومن لا يستطيع فليعبر عن رأيه مستخدماً قنوات الإعلام والصحافة المعروفة، والشبكات الاجتماعية مثل فيسبوك وتويتر، ومنابر كثيرة أخرى للتعبير. ولكن هل يمكن للعمل المدني -الذي تنصح به- أن يحدث تغييراً على الصعيد السياسي، أم هو مجرد تفريغ للطاقات؟ في غياب الدور الحقيقي للأحزاب السياسية تلعب منظمات المجتمع المدني الأخرى من نقابات واتحادات وجمعيات دوراً مهماً في تنوير الرأي العام وكشف الانتهاكات وفتح الملفات. والعمل المدني من خلال المؤسسات السياسية والقوى الشعبية في مجملها هو الأصل في التغيير، ولذلك أنحاز إليه في مواجهة أشكال التغيير الأخرى مثل التدخلات العسكرية والانقلابات. العمل المدني ليس مقتصراً على الجمعيات الخيرية فقط، ولكنه يستوعب القوى السياسية الموجودة -رغم أن كلمة "قوى" هي مبالغة في الحقيقة والأدق أن نقول "التيارات المختلفة"- وهذه التيارات المؤيد منها والمعارض يجب أن تتحمل مسؤوليتها وهي التي يعول عليها في التغيير. ومن الواضح حاليا أنه لا يوجد في مصر أحزاب معارضة حقيقية، فهناك نشاط حزبي تهريجي، مثل الخروج في مظاهرة ودعم وتحية الرئيس خلال سفره أو عودته مثل أحزاب "حماة الثورة" و"حماة الوطن"، وهذا ليس عملًا حزبياً أنصح به. وفي مقابل ذلك هناك منظمات مجتمع مدني مثل الحقوقيين ومن يتتبعون انتهاكات حقوق الإنسان ومن يدافعون عن ضحايا التعذيب ودورهم له أهمية كبرى. ما أكبر أزمة يمر بها الشباب العربي الآن؟ أنه لم يعد يعلم العدو من الصديق، فهناك أجيال نشأت في مرحلة ما بعد معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، وتعرضوا لحملات "التطبيع" مع الأمر الواقع، وهؤلاء أصبح منهم الآن من لا يجد غضاضة أن يتحدث عن منجزات إسرائيل، ولم تعد فكرة الحلال والحرام في السياسة معروفة لديه. اختفت أيضا فكرة "الاعتزاز القومي" فقد صرت أتعجب جداً عندما أذهب إلى مناطق عربية فأجد الشباب يتحدثون بالإنجليزية، ولا يعتزون بلغتهم بل يفخر بعضهم أنه لا يجيد اللغة العربية.. هناك إذن حالة ضياع وغياب هوية وعدم معرفة الصديق من العدو. وماذا ينقص الشباب الفاعل سياسياً؟ أن يقرأ في كل المجالات، عادة تكون هناك مدارس كبيرة للوعي تتمثل في الاتجاهات السياسية المختلفة، كما يفترض أن الأحزاب السياسية تلعب دوراً في تثقيف شبابها وفقاً لاتجاه كل منها ورؤيته وذلك عبر الندوات السياسية والجلسات الثقافية. ولكن إذا كانت الأحزاب في حالة ضعف شديد، وبقية الأنشطة العامة كالندوات والجلسات مصادرة فالشباب يصبح معذوراً عندما تتأثر درجة وعيه، ولكن عليه أن يسد هذه الثغرة بالقراءة قدر ما يستطيع. - هل هناك مجموعة شبابية تعول عليها تستطيع تغيير الوضع السياسي في مصر؟ لا أستطيع تحديد مجموعة بذاتها، لكني أشجع كل المدافعين عن الحقوق والحريات، وكل الذين لا يزالون يدافعون عن كرامة البلد وحقه، بل وحقوقهم الشخصية أيضاً، سواء داخل الجامعات وخارجها، ولا بد أن يواصلوا نضالهم ولا بد أن يُحتفى بهم ويأخذوا حقهم. كذلك فأنا مع أي مبادرة تستهدف الآتي: الوفاق الوطني بين مختلف التيارات السياسية، الدفاع عن المظلومين، الدفاع عن القضية الفلسطينية.. لقد أصبحنا مشغولين في مصر بالشأن الداخلي بشكل مبالغ فيه، فحلب مثلاً تقصف لمدة شهر ولا يتكلم أحد عن الوضع هناك. هل تقرأ لكتاب شباب؟ من أبرز من لفتوا نظرك وتنصح بقراءتهم؟ بصورة عامة، هناك جيل من الكتاب تم قمعه، وجيل آخر نجح في تحدي القمع واحتفظ بنزاهته. لا أستطيع أن أعدد لك أسماء بذاتها، لأن هناك أسماء كثيرة من الشبان الشجعان الذين يكتبون سواء في الصحف المستقلة أو مواقع التدوين.. هؤلاء موجودون، ويدفعون ثمن استقلاليتهم وشجاعتهم، ولا أستطيع إلا أن أغبطهم، لأنهم يدفعون أثمانا في بواكير عمرهم، لا يتحملها الكثيرون، خصوصاً فيما يتعلق بموارد الرزق وحرية الحركة. في المجمل أيضاً أن أعتبر الشباب العاملين في الإعلام معذورين كثيراً، فقنوات الإعلام مغلقة في وجوههم ما لم يحنوا رؤوسهم وينبطحوا ويكتبوا مع التيار، ونصيحتي في هذه الحالة هي ألا يجاروا ذلك التيار حتى وإن أصبحت منصتهم للنشر هي مواقع التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر. ما الذي تحتاجه الصحافة المصرية الآن؟ "الحرية"، فالصحافة لا يمكن أن تنتعش إلا في وجود حرية. أخيراً، هل ترى أن الأزمات الداخلية أو الإقليمية المحيطة بمصر، هي إرهاصات لتغيير الوضع السياسي القائم؟ هذا في علم الغيب، رؤية الدولة المصرية حالياً غير واضحة مما يشكل ارتباكات في المواقف ويحدث خللاً، وأصبحت التقلبات السياسية أمراً مألوفاً.. ومع ذلك فعملية تغيير ذلك الوضع لا يعلم لها أحد أفقاً أو أواناً. في ضوء التحليل السابق، هل ترى ترشح السيسي لرئاسة ثانية فكرة جيدة؟ غير جيدة فهو لم يثبت في الفترة الأولى تحقيق نجاحات كبيرة، ويجب على من يحرص عليه أو يحبه ألا ينصحه بالترشح.