ما يحدث على الأرض تحت كل وقائع المعركة وظروفها ستكون ضحيته الموصل وأهلها، والذئاب التي نهشت في جسدها كانت غايتها الانتقام من مدينة عربية عريقة رفدت العالم بمنابع الإخاء بين القوميات والأديان والطوائف. العربحامد الكيلاني [نُشرفي2016/10/19، العدد: 10429، ص(8)] يزدحم برنامج الحروب والأزمات وتصفية الحسابات في الشرق الأوسط ويكثف تنوعاته في حركـة العاملين كالدبابير بانتظام يدعو إلى الدهشة لعدم حدوث أي اصطـدام يعكّر خطـوط الإنتـاج وتوقفها؛ رغـم أن بعـض الاختـلال يقع، لكـن يمكن تلافيه بسرعة والمضي إلى الأمام أو الخلف لإنجاز المهام متباينة الأهداف ضمن المهمة الكبرى. التسارع أو التسريع الحاصل للحزام الناقل رافقته زيـادة ملحوظة في الإصرار على تثبيت المواقف وخصومات طفولة سياسية لا ترتقي إلى إدانة جرائم الحرب، مثلا ترتكبه روسيا والنظام الحاكم في سوريا والميليشيات الطائفية تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني؛ الاتحاد الأوروبي وأميركا والأمم المتحدة تستخدم مفردة قد أو ربما قبل إدانتها لمستوى الانتهاكات في سوريا التي تم اختصارها في حلب. التعجيل أملته المدة المتبقية من فترة حكم الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض؛ خطوط الإنتاج تمضي بتوافق، فأميركا وضعت الموصل على جدول أعمالها لإنقاذ ما تبقى من سمعة سياستها الخارجية لتقول لنا إن أوباما كان وفيا لبرنامجه الانتخابي ومبادئ حزبه في عدم الزج بالجيش الأميركي في حروب من صناعة الحزب الجمهوري، ويحاول الحزب الديمقراطي تلافي نتائجها بسحب القوات وإعادتها والالتفات إلى ما يهم المواطن الأميركي وحل مشاكله الداخلية المتعلقة بحياته وصحته. لكنهم في أميركا يريدون أيضا إبعاد تهمة الضعف والتردد التي أودت بالدولة الكبرى إلى الانسحاب من دورها العالمي وترك بؤر الصراع في الشرق الأوسط إلى الرئيس الروسي الذي اقتحم وضم شبه جزيرة القرم ونقل خصام غرامه مع أميركا وأوروبا إلى وسيط فيه كل ميزات الخدمة وتوصيل الطلبات، فكانت له سوريا بشعبها وأرضها كنزا ثمينا تقاسمه مع القرصان على أمل ابتزاز العالم في أبشع سلوك إجرامي لصيد شعب ومصادرة أرضه وحريته وتقرير مصيره. نؤكد دائما ونُذَكِر بأن المشروع الإيراني لنظام الملالي يتعامل مع العراق وسوريا كخارطة موحدة يضع عليها أسلوبه وبصماته ولا يحيد عنها أبدا، والعمل السياسي بالنسبة إليه والمحادثات والعلاقات والتصريحات إنما هي مسالك تبدو أحيانا بالاتجاه الآخر لسياساته الطائفية والفاشية، وهي جميعا في خدمة حلمه الإمبراطوري القومي الفارسي، لنكتشف، في كل مرة، أن طرقه المعلومة ودروبه المجهولة ستؤدي إلى ترسيخ مشروعه الدموي بما سبب صدعا وشرخا مهولين في أرضنا بفصله الأمة العربية والإسلامية إلى معسكرين لا يتنازعان فقط في سطور الكتب والمجالس والطقوس، إنما في حمل السلاح واستقدام الأجنبي والاستقواء به وتذليل كل مبادئ المواطنة والعيش المشترك لتنفيذ وتأسيس قاعدة مشروعه. حلب، وضعت فيها روسيا كل إمكاناتها إلى جانب النظام للوصول إلى معادلة الحسم العسكري وتجاوزت كل الخطوط الحمر التي كانت من المحتمل جدا أن تحدث صداما بين ماردين نوويين، دون أن تتراجع عن هدفها رغم ماء الوجه المسفوح لارتكابها المجـازر واستخدام الأسلحة المحرمة؛ مدفوعـة برهانها إلى نهـاية حافات الحرب مع المعسكر الأميركي والأوروبي بوجود الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي أعطى الضوء الأخضر قبل أيام لمناقشة الحلول البديلة المتعـددة مع مستشاريه، تمخضت إعلاميا عن استمرار البحث عن حل سياسي في سوريا، في وقت أوشكت فيه روسيا وحليفاها السـوري والإيراني على الانتهاء من حلب، مع إشارات لتسليح المعارضة بما لم يعد مؤثرا في مسيرة الثورة السورية لغاياتها في تغيير نظام الاستبداد وسلطته إلى الأبد. الموصل، تحركت أيضا في خط إنتاج المدة المتبقية لحكم الرئيس أوباما، فبعد إعلان الرئيس التركي أن موعد انطلاق معركة الموصل سيكون في الـ19 من هذا الشهر، أقدم حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي على تقديم الموعد إلى يوم 17 أكتوبر في رسالة واضحة مفادها أن القرار ملك سيادي للحكومة العراقية، في استمرار لمناكفات بين البلدين طبعت المشهد العام للسياسة الحاكمة بقيادة حزب الدعوة بتاريخه الطائفي وانتمائه المعلن الصريح إلى نظام الولي الفقيه، بأن الحب يَجُبُّ لإيران كل أفعالها لأنها وحدة مشروع وهدف، فتصريحاتهم لا ترى في العراق إلا جزءا من إمبراطورية تسعى إلى إعادة لم شتاتها القومي القديم برداء طائفي تم الترويج له كسلعة تجد لها رواجا في غياب منظومة فكرية وقانونية وانعدام الوصل بين الشعب ودولة المواطنة والمؤسسات. العبادي في إعلانه عن بدء المعركة، أراد أن يبعث الاطمئنان في نفوس أهل الموصل والقوى المعارضة لمشاركة الحشد الشعبي، عندما أكد أن قوات الجيش العراقي والشرطة الاتحادية هي فقط من سيدخل الموصل، دون أن يسمي المبعدين من دخولها ليتلافى ذكر الحشد الشعبي تحديدا. تغير موقف رئيس الوزراء يأتي بعد حماسته وإعلانه المسبق عن مشاركة الحشد تحت ظل القوات المسلحة كفصائل رسمية، له ما يبرره، فهو، أي الحشد، اكتفى أيضا بالتطويق بمعارك سابقة وماذا كانت النتيجة؟، أيضا جرائم إبادة وإهانة وانتهاكات موثقة دوليا. إيران ونظام الملالي يسلكان دروبا ضبابية للتمويه، لكنهما سيصلان إلى أهدافهما في محصلة معركة الموصل، والأيام القادمة ستكون دليلا مضافا إلى مراوغة الثعلب الإيراني في محاولة لتجاوز الضغط الأميركي الواضح على العبادي الذي أجبره على الرضوخ رسميا وفي الإعلام للإشارة إلى الجهات المكلفة بدخول الموصل. ما يحدث على الأرض تحت كل وقائع المعركة وظروفها ستكون ضحيته الموصل وأهلها، والذئاب التي نهشت جسدها من سفاحي الإرهاب وقيمهم المقرفة ومعهم كل المتواطئين والمنتفعين الذين سلموها لأغراض سياسية وطائفية كانت غايتها الانتقام من مدينة عربية عريقة رفدت العالم بمنابع الإخاء بين القوميات والأديان والطوائف، وأيضا رفدت جبهات القتال في حرب الثماني سنوات بخيرة الضباط والقادة والمقاتلين الذين أوقفوا وأجلوا طموحات الملالي في احتلال العراق. ولا تغيب عن بالنا خطب ودعوات العدل الإلهي وانتقام الأجيال بتتابع الأحفاد، كما ورد على منابر التهييج الطائفي مؤخرا، في لغة تأنف منها الإنسانية في أحلك عصورها ظلاما. تدور الأيام وما سيسفر عنها من ثوابت سلطة الحاكم في سوريا إلى الأبد لأنها خياره الوحيد حتى لو تخلت روسيا عنه في يوم ما، وثوابت مشروع الملالي الطائفي لأنه خرائط موضوعة ومكتملة في المخيلة وعلى الطاولات، ولهذا نعيد ونكرر أن الانتقام سيحدث في الموصل، وإذا وجد من يردعهم فسيلجأون إلى إرباك يؤدي إلى إيجاد وسيلة ما تدلل أن إرادتهم مضت في تطبيقاتها على الأرض، وأن الإعلانات الإعلامية مدفوعة الثمن لإرضاء أميركا وتنفيذ إرادتها على طريقة “خد وعين” المشهورة بالتوقيع على اتفاق البرنامج النووي الإيراني مع الدول الكبرى. محادثات لوزان بمن حضر فيها، وبالرغم من التوصيفات النارية لجرائم الحرب الروسية في حلب، إلا أنها أفضت إلى أن الحل سوري – سوري، وهذا ما كنا نعتقده منذ بداية الأزمة السورية والإبادات المتلاحقة، إن خط الصد الأخير سيكون مرحلة انتقالية بين نظام ومعارضته المفطومة على حب الديمقراطية وانتخابات حرة والشعب هـو الذي يقرر ومن حق الجميع الترشح. ازدحام شديد على بوابة بيت أبيض ستزف إليه أحلام شعوب وتوقعات مسربلة بالسواد وسط أمنيات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن تكون أميركا حريصة على حياة المدنيين في الموصل، على غرار القصف الروسي الرحيم في حلب. كاتب عراقي حامد الكيلاني :: مقالات أخرى لـ حامد الكيلاني توصية روسية لأميركا بالقصف الرحيم في الموصل, 2016/10/19 حلب.. قنبلة اليأس الدولي, 2016/10/15 الفيتو الروسي.. 11 سبتمبر الدبلوماسية في مجلس الأمن, 2016/10/12 اليمين الشعبوي والتلويح بسياسة الانفصال, 2016/10/05 آثار بلاد الرافدين في مهب الرياح الإيرانية, 2016/10/03 أرشيف الكاتب