بهزيمة وانكسار «داعش» وخروجه يجر أذيال الخيبة من قرية «دابق» قبل يومين بعد أن دخلها «الجيش الحر» وبعض الفصائل المعارضة للنظام السوري مدعومة من تركيا تكاد تنتهي أسطورة التنظيم الذي فقد بسقوط دابق رمزا دينيا كبيرا كان يوظفه بأساليب إعلامية متعددة لجلب الأنصار والمؤيدين، ولا شك أن هذا الرمز الذي فقده كان سببا قويا ومؤثرا في استقطاب آلاف من الأتباع وبخاصة من صغار السن أو ممن ليس لديهم اطلاع واسع وعميق على الأحاديث النبوية الشريفة وكيفية تنزيلها على الأحداث بالدلائل والقرائن التي تتفق ودلالات الأحاديث النبوية الكريمة. ومنذ البدايات الأولى لنشأة التنظيم على يد أبي مصعب الزرقاوي وهو يتكئ على توظيف النصوص في الطريق الذي يحقق تصاعدا وقوة وانتشار فكر التنظيم، فيؤكد أن المنضوين تحت لوائه هم أولئك الذين ذكرهم الحديث الشريف الوارد في صحيح مسلم الذين سيلتقون بالكفار تحت ثمانين راية في مرج دابق أو الأعماق. ونص الحديث الشريف: روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ « الحديث. وفي رواية الحاكم في المستدرك والإمام أحمد في مسنده عن خالد بن معدان أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «تصالحون الروم صلحا آمنا حتى تغزون أنتم وهم عدوا من ورائهم فتسلمون وتفتحون وتنصرون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول. .. الحديث إلى أن قال «. . فيغدرون فيجتمعون للملحمة فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا». وكما أننا نتوقف بتأمل كبير للإعجاز النبوي في هذا الحديث الشريف بوصف قريتين أو موقعين لم يرهما من قبل؛ نتوقف أيضا عند أية جماعة تسعى إلى الإفادة من النصوص الدينية في الدعاية لها واستقطاب الأتباع إليها، وهو ما فعله تنظيم «داعش» وكما فعلت من قبله جماعة «جهيمان» أو «الجماعة السلفية المجاهدة» كما أسمت نفسها، وهم من كانوا في المدينة المنورة قبل ظهورهم في فتنة الحرم المكي الشريف بإشراق اليوم الأول من محرم 1400هـ يسمون «جماعة أهل الحديث». فقد وظف «جهيمان» الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ظهور المهدي وأن الصفات الواردة في الحديث الشريف تنطبق على رجل أحضره جهيمان معه وأشار إليه ذاكرا اسمه وصفاته ونحو ذلك؛ لإقناع من يخاطبهم من الحجاج والمعتمرين الذين لم يغادروا مكة بعد حجهم وعمرتهم. وفشلت حركة جهيمان وانطفأت تلك الفتنة في الحرم المكي التي استمرت قرابة اثنين وعشرين يوما لم تقم في الحرم ثلاث جمع، وعلم الناس بعد وأد الفتنة كيف سعى أولئك الضالون إلى استخدام النصوص الواردة في ظهور المهدي استخداما يحقق غاياتهم الحمقاء التي خططوا لها. وهو الشأن نفسه في فتنة عصابة «داعش» التي اشتغلت بوسائل إعلامية مختلفة على تأكيد أن الدواعش هم المعنيون بالمؤمنين الذين يقاتلون النصارى في معركة فاصلة بمرج دابق آخر الزمان؛ فمنذ أن احتل التنظيم قرية «دابق» عام 2014م اتخذ منها رمزا عقائديا؛ فأصدر مجلة شهرية باللغتين العربية والإنجليزية بالاسم نفسه تعد المجلة الرسمية الناطقة باسمه، وعمل على نشرها في عواصم عالمية. ولم يجد «داعش» تبريرا يسوغ به هزيمته إلا أن يشير في مجلة «النبأ» قبل يومين إلى أن «جنود الدولة يميزون بين معركة دابق الصغرى وملحمة دابق الكبرى» ! وختاما لهذه القراءة السريعة ولهذا التطور السريع في مجرى الأحداث في العراق والشام؛ وبخاصة هزيمة الدواعش في «دابق» وبدء معركة «الموصل» ثم الوصول إلى مواجهة التنظيم في عاصمته «الرقة» نصل إلى تأكيد أن الغاية المرسومة والهدف المبتغى من تأسيس التنظيم يكاد يتحقق باحتلال إيران ومواليها من الطائفيين المستعبدين المناطق السنية وقتل أو تهجير أهلها وتدمير مدنهم وإجراء عملية إحلال وإبدال بين العرب والفرس، بما يحقق رسم حدود خارطة جديدة لمنطقتي الشام والعراق، تكون الهيمنة فيها للفرس، سعيا إلى إضعاف العرب السنة وذلك بدك مدنهم وذبحهم جماعيا على يدي الحشد الشعبي الفارسي بالسكاكين، وهو ما كانت ولا زالت تقترفه «داعش» بحجج دينية واهية، فيتفق التنظيم والحشد في تحقيق الغاية المرسومة بتطهير المدن السنية لإقامة الإمبراطورية الفارسية تحت ذريعة «التشيع» المكذوب على ديار العرب. نقلا عن الجزيرة