الكتابة بالدم معروفة منذ القدم، أخذت في التزايد والانتشار إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه الآن، ظهرت بدول كثيرة، ولكنها اتخذت أشكالاً مختلفةً وأكثر تبلوراً في بعض الدول. نشأت نتيجة لضغوط الحياة ومآسيها، أيادي أصحابها أنقى وأطهر من يد القاتل في ليلة الجرم، مستخدموها ليسوا بجناة ولا معتدين ولا عُملاء ولا مدسوسين، يستغيثون يومياً ويصرخون، ولكن دون أي ظهور لمن يستجيبون. انتشر هذا النوع من الكتابة بكل قرى ومدن تلك الدول "تقريباً"، يعاني مستخدموها يومياً من ألم شديد متفشٍّ بالجسد والروح، فهي تتطلب مجهوداً ذهنياً فظيعاً بجانب مجهود عضلي شديد، يُستخدم فيها الدم المتجلط أو السائل، لا يقوى أصحابها على إحداث تغيير حقيقي في أوضاعهم أو أوضاع من حولهم. وإليك عزيزي القارئ أشكال الكتابة بالدم: أن تصرف كل ما تملك - إن وجدت - لتسديد مصاريفك ومصاريف أسرتك التي لا تُحصى ولا تعد، ولا يتبقى معك شيء لتكمل به الشهر، وتبدأ في الاستدانة ممن حولك، ولا تعلم متى وكيف حقاً ستسدد هذا الدين، فأنت تكتب بالدم. أن تشاهد أسعار السلع والخدمات وهي ترتفع يومياً بشكل غير طبيعي - بل بشكل مستفز - مع علمك بأنك مهما صرخت أو اعترضت فلا حياة لمن بهم استنجدت، فأنت أيضاً تكتب بالدم. أن تستمع لهذا وذاك وهو يُصرح كالعادة بأن الأزمة ستُحَل وتجد الأزمة تتفاقم والواحدة تصبح اثنتين فأنت تكتب بالدم. أن تشاهد من يتقاضون ملايين الجنيهات شهرياً يدّعون وقوفهم بجانبك، وبدم بارد يجيبونك "انت تأمُر أمر"، فأنت تكتب بالدم. أن تنظر لذاك الذي ضحى بحياته؛ ليكتب بدمائه السائلة بثورة أو مظاهرة حياة كريمة لمن سيحيا بهذا الدم، وترى دماءه سالت هباءً، فأنت عزيزي يقيناً تكتب وتذرف الدم. أن تسمع عن جنون الذهب والدولار لا عن جنون الأبقار، فأنت ما زلت تملك بعض الدم، إذاً فلتستمر في الكتابة بالدم. أن ترى كبار اللصوص مُبرأين وفي كل واد يهيمون، ومن السرقة يتملصون ويتعجبون، أعتقد ما زلت تملك بعض قطرات الدم فمن فضلك استمر في الكتابة بالدم. أن تجد البائع أو التاجر مصراً على امتصاص ما تبقى لديك من دم، فأنت على وشك الانتهاء من الكتابة بالدم. أن تكتشف أن كل المعطيات والأخبار من حولك تُنذر بموجات غلاء جديدة تشق طريقها سريعاً إليك فأنت مُكبل الأيادي لم يعد بوسعك أن تكتب بالدم، فقد رحلت بعد أن استنفدت كل ما تملك من دم. وسواء كنت عزيزي ممن يكتبون قصتهم مع الحياة بدم سائل أو بدم متجلط يأبى أن يسيل بداخلك فترتاح أو يندفع خارجك فترتاح أيضاً، وسواء كنت بنظر الآخرين أديت دور الجاني أو المجني عليه داخل قصتك، فأنت قد حفرت، أو ما زلت تحفر بدمائك تفاصيل صبرك ومعاناتك مع قليلي أو معدومي الدم، وقد تصل قصتك للآخرين من بعدك إذا كنت ممن لهم نسبة - ولو كانت حتى ضئيلة - من الحظ، وقد لا تصل أبداً لتلاقي مصيرها المحتوم بالدفن مع أسلافها، ممن لا يملكون أي حظ، وسواء كنت ممن يكتبون بالدم أولا يكتبون بالدم، فأرجوك رفقاً، ثم رفقاً بمن يذرفون آخر قطرات الدم، أو بمعنى أدق "يطفحون الدم". ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.