انتشرت خلال العقد المنصرم داخل التجمعات التجارية المصرية سلسلة تسمى قنوات تلفزيونية.. حمل كثير منها صفة الدكاكين فمن لا يريد أن يشتري لا بأس ان يتفرج، واحيانا هذه الدكاكين تتحول الى بضاعة رخيصة من خلال مسماها كقنوات كل يغني على ليلاه، فمن خلالها تتنوع الرسائل والثقافات والرسائل.. سقط كثير منها في وحل الخسائر فأقفل سريعا وبعض منها يرتزق بالجملة والمفرق ومن يدفع يجد ما يسره. ولا ننكر أن من بينها من هي ذات رسالة راقية وفكر مفيد.. لكنها للأسف قليل وما زالت حاضرة كعمل تلفزيوني جميل.. وما يعنينا هنا تلك القنوات ذات البضاعة الرخيصة عادة ما يكون مرتكزها الرئيس برامج حوارية او مذيع يتحدث لساعات متواصلة لوحده لا تخلو من الشتم والقذف. سبيلها الأهم استغلال الفرص والمناسبات، ولا بأس إن ناقشت قضية لا تفهم فيها لأجل أن تكسب رأيا او مالا من طالب سكوت. لتعرف معنى التناقض القائم والعبث الحواري ما عليك الا أن تفتح جهاز التلفزيون وتقلب على محطاته الكثيرة خلال الوقت الخاص بالحوارات بين الثامنة والحادية عشرة ليلا.. بلا شك ستجد أنك امام سيل من التناقضات والقضايا.. من يشتم الرئيس السابق ومن يستهزئ بالحالي، من اتخذ من الخليج منطلقا لانتقاداته.. من.. من.. بحيث إنك امام محاضرات في السياسة والاقتصاد وبناء المجتمع والفن وحتى كرة القدم والقضايا الإنسانية. البرامج الحوارية الساخنة تشتم كل شيء من أمريكا وحتى العرب ومن لا يتفق معهم من المصريين.. وفجأة تجد اكثرها ينقلب بين يوم وليلة فيصبح الامريكيون قادة والخليجيون أهلا وعزوة.. بل ان بعضها يناقش حقوق الانسان في الخليج، ويذرف الدموع على غيابها وفجأة تجده بعدها بأيام يتغنى بالحقوق هناك ويرثى لحال بلاده وبقية العرب الذين لم يبلغوا ما عليه الخليجيون من حقوق.. وحاليا شاهدوها وردة الفعل تجاه ما حدث خلال التصويت على مجازر حلب في الأمم المتحدة.. وتأملوا اللغة والخطاب ومقدار الشتائم والتخوين وفي كل الاتجاهات!. لا يعني هذا اني لا أجد الثبات والرقي لدى بعض القنوات المصرية.. بل هناك ما هو ذو قيمة حوارية راقية عالية، وثبات ورصانة، لكن بكل أسف تغلب الغث على السمين.. حتى اصبح أصحاب الثبات والمنهجية الراقية تائهين بين الأصوات المتكسبة.. حاليا تأملوا الأمر وراقبوه فما إن تظهر بوادر خلاف سعودي مصري حتى لو كان بسيطا، ولنقل عرضيا من المتوقع زواله.. سرعان ما يظهر بعض المرتزقة ليجعلوا من الأمر وكأن حربا ضروسا قائمة.. مثل هؤلاء يكثرون في الإعلام المصري وكأن آلية التكسب تنطلق من استغلال المواقف الرديئة. مصر التي كانت الرائدة إعلاميا في عالمنا العربي باتت ضائعة الهوية الإعلامية من فرط تحول معظم اعلامها الى تجارة يقودها بعض المتكسبين وأصحاب الاجندات الذين استحلوا مقاعد أهل الريادة والتفوق ليعيثوا فسادا بإعلام، يشهد الله أنه كان الأكثر مهنية سابقا ودليلنا لفعل العمل المنهجي الرزين. هذا ما جادت به نفسي المحبة لكل ما هو مصري، لأن الحقيقة ما نشاهده على تلك القنوات ليس مقلقا ومثيرا للإزعاج للعرب فقط، بل للمصريين أنفسهم الذين من فرط تكاثر الآراء والمتربحين من حولهم اصبح بعضهم اقرب الى أن يكون تائها بسبب رداءة ما تبثه تلك القنوات.