يرى الكاتب الصحفي عبد الخالق عبد الله، أن العواصم الخليجية تبتعد عن إعلان مواقفها الرسمية تجاه أي مرشح في الانتخابات الأمريكية وتبقي انحيازاتها كسر من أسرار الدولة، لكن وبخلاف الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة لا أحد يخفي قلقه الشديد من المرشح الجمهوري ترامب، ولا أحد في المقابل يخفي انحيازه الشخصي والسياسي لهيلاري كلينتون على كل ما يشوب شخصيتها من تساؤلات مشروعة. وأضاف عبد الله، في مقاله المنشور اليوم الثلاثاء في جريدة الشرق الأوسط، الشعور العام السائد خليجيًا والإجماع في أروقة السياسة هو القبول بسيدة في البيت الأبيض على كل علاتها بدلاً من رجل أعمال جاهل بأبجديات السياسة، ويتم الحديث عنه بتندر وتهكم وامتعاض مصحوبة بكلمة «لا سمح الله أن يصبح هذا رئيسًا لأمريكا». وأشار إلى أن هذا الموقف الخليجي الرسمي غير المعلن يعكس أيضًا إجماعًا خليجيًا شعبيًا لصالح المرشحة كلينتون؛ ففي استطلاعين للرأي، أجريا مؤخرًا في «تويتر» لتقييم المزاج الشعبي الخليجي تجاه الانتخابات الأميركية جاءت النتائج متقاربة من حيث رفض تام للمرشح ترامب وتأييد ملحوظ للمرشحة هيلاري كلينتون. نص المقال: في أقل من شهر سيعرف العالم من هو الرئيس القادم للولايات المتحدة، والخشية في معظم العواصم العالمية والعربية والخليجية أن يكون مرشح الحزب الجمهوري السليط اللسان دونالد ترامب هو خيار الشعب الأميركي في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) وساكن البيت الأبيض لأربع سنوات قادمة. لقد استمرت الانتخابات الرئاسية الأميركية لسنة كاملة لكن الشهر الأخير هو الأهم في سياق أطول وأهم وأكثر الانتخابات كلفة وسخونة وإثارة وغموضًا في العالم. ومما يزيد من إثارة الانتخابات الراهنة تقارب فرص المرشحين، حيث يشير آخر استطلاع للرأي في أميركا إلى تقارب شديد في شعبية المرشحين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، فـ46 في المائة من الشعب الأميركي يؤيدون مرشحة الحزب الديمقراطي كلينتون و44 في المائة يؤيدون ترامب، كما ورد في استطلاع صحيفة «نيويورك تايمز» ومحطة «سي بي إس». وكلما اقتربت الانتخابات الأميركية إلى نهاياتها، ازدادت المتابعة والإثارة والاهتمام العالمي، خاصة أن الاختلاف بين المرشحين ضخم كل الضخامة؛ فعلى الصعيد الشخصي هذه أول منافسة انتخابية بين رجل معتد بفحولته وصريح في عنصريته وشوفينيته، وامرأة تترشح عن خبرة وجدارة وتود أن تدخل التاريخ كأول رئيسة لأميركا. أما على الصعيد الآيديولوجي والنهج السياسي فالفجوة ضخمة بين المرشحين في كيفية إدارة أميركا ودورها في الخارج ونمط التعامل مع الشأن العالمي. إن المطروح أمام الشعب الأميركي مرشحان وخياران ونهجان، ولا يوجد حتى الحد الأدنى من التوافق بينهما في الأصل والفصل. ورغم أن العواصم الخليجية كبقية العواصم العالمية تبتعد عن إعلان مواقفها الرسمية تجاه أي مرشح في الانتخابات الأميركية وتبقي انحيازاتها كسر من أسرار الدولة، لكن وبخلاف الانتخابات الرئاسية الأميركية السابقة لا أحد يخفي قلقه الشديد من المرشح الجمهوري ترامب، ولا أحد في المقابل يخفي انحيازه الشخصي والسياسي لهيلاري كلينتون على كل ما يشوب شخصيتها من تساؤلات مشروعة. الشعور العام السائد خليجيًا والإجماع في أروقة السياسة هو القبول بسيدة في البيت الأبيض على كل علاتها بدلاً من رجل أعمال جاهل بأبجديات السياسة ويتم الحديث عنه بتندر وتهكم وامتعاض مصحوبة بكلمة «لا سمح الله أن يصبح هذا رئيسًا لأميركا». هذا الموقف الخليجي الرسمي غير المعلن يعكس أيضًا إجماعًا خليجيًا شعبيًا لصالح المرشحة كلينتون؛ ففي استطلاعين للرأي، أجريا مؤخرًا في «تويتر» لتقييم المزاج الشعبي الخليجي تجاه الانتخابات الأميركية جاءت النتائج متقاربة من حيث رفض تام للمرشح ترامب وتأييد ملحوظ للمرشحة هيلاري كلينتون. أجرى الاستطلاع الأول الدكتور عبد الله الشايجي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت وأحد أكثر الباحثين في دول الخليج العربي متابعة للشأن الأميركي. طرح الدكتور عبد الله على أكثر من 100 ألف متابع له في «تويتر»، السؤال التالي: إذا أتيحت لك فرصة التصويت في الانتخابات الأميركية فلمن تعطي صوتك؟ وقد استجاب للسؤال 1227 متابعًا، الغالبية الكبرى من دول الخليج العربي، وكانت نتيجة هذا الاستطلاع الافتراضي أن 66 في المائة يؤيدون كلينتون رئيسًا للولايات المتحدة. بعد هذا الاستطلاع بنحو أسبوع، 21 أغسطس (آب) الماضي، طرحت ذات السؤال على أكثر من 100 ألف متابع لموقعي الشخصي في «تويتر»، أيضًا معظمهم من دول الخليج العربي، حيث شارك 1596 متابعًا في الاستطلاع، أكد 62 في المائة منهم تأييدهم للمرشحة كلينتون مقابل 38 في المائة فقط صوتوا لصالح ترامب. لا تزعم الاستطلاعات الافتراضية أنها علمية، ولا تدعي الدقة المنهجية، لكنها تقدم مؤشرات عن المزاج الشعبي الخليجي الرافض في عمومه للمرشح ترامب المعرف بأنه غريب الأطوار ويطلق تصريحات مثيرة للجدل لا تليق بمرشح رئاسي. انتخاب الرئيس هو شأن أميركي بحت، لكن المزاج في الخليج والعالم عمومًا يقول ومن دون تحفظ لا للمرشح ترامب. هناك تحفظات على كلينتون يقابلها رفض تام لترامب. إن أول سبب لتفضيل كلينتون خليجيًا كونها شخصية معروفة في العواصم الخليجية والعواصم العالمية التي تعاملت معها عن قرب وبكثافة وتكن لها الاحترام، وعليه فإن مرشحًا رئاسيًا تعرفه أفضل مليون مرة من مرشح غير معروف على الصعيد الشخصي وغامض على الصعيد السياسي. هيلاري كلينتون تحظى بالاحترام، وهي في العموم مريحة عند التعامل معها، علاوة على أنها تدرك الاحتياجات الأمنية لدول الخليج وتعي أهمية دول الخليج كحليف يعتد به، كما أنها تقدر جهود دول الخليج في مكافحة الإرهاب. كلينتون أيضًا مطلعة عن كثب على ملفات المنطقة وأزماتها وصراعاتها المزمنة ولا تحتاج للكثير من الإعداد والاستعداد لفهم هذه الملفات بل ستتعامل معها من أول يوم لها في البيت الأبيض، ولديها فريق عمل مطلع على تفاصيل ما يجري في المنطقة ربما أكثر من شعوب وحكومات المنطقة. في المقابل فإن العواصم الخليجية كما العواصم العالمية أصبحت في حيرة من أمرها تجاه من هو دونالد ترامب، وما هي الظاهرة الترامبية، وما دلالات بروز حشد شعبي ضخم يؤيد توجهاته في أميركا، وما الذي يمثله هذا المرشح الجمهوري المثير للجدل، والقلق الأكبر هو ما مدى فهم ترامب لما يجري في العالم خاصة تعقيدات أزمات المنطقة. الانطباع العام عن ترامب أنه يعاني من جهل تجاه أمن الخليج وعدم تقدير لعمق العلاقات الأميركية الخليجية التي تمر بفترة صعبة خلال عهد الرئيس أوباما، وربما ستمر بفترة أصعب إذا أصبح ترامب رئيسًا لأميركا، خاصة أنه يكرر كليشيهات مثيرة للدهشة. إن آخر ما تتمناه دول الخليج ومعها دول العالم رئيس أميركي يكرر تصريحات عبارات مثيرة للدهشة تزيد من عدم الاطمئنان تجاه أميركا وترفع من اضطراب عالم غير مستقر. لا شك أن هناك تحفظات على هيلاري كلينتون، لجهة انحيازها الشديد للعدو الإسرائيلي، وربما انسياقها نحو إيران كما انساق أوباما، لكن أهم ما يميزها مقارنة بالمرشح ترامب أنها مطلعة على كافة الملفات، وتمتلك خبرة في دنيا السياسة، وتعاملت مع زعماء المنطقة كبيرهم وصغيرهم الذين بدورهم يعرفون كلينتون حق المعرفة وعن قرب، بل تربطهم بها علاقات شخصية واسعة وممتدة لسنوات طويلة. من وجهة نظر دول الخليج التي تتابع الانتخابات الأميركية باهتمام خاص، هيلاري كلينتون هي المرشح الأجدر والأفضل خليجيًا وعالميًا وأميركيًا وربما ستكون الأقدر أيضًا على كسب ثقة دول الخليج وإصلاح ما لحق بالعلاقات الخليجية الأميركية من تدهور خلال 8 سنوات عهد أوباما كانت من أصعب السنوات خلال الـ60 سنة الأخيرة. يبقى أن الخيار في الأول والأخير للشعب الأميركي وعلى العالم انتظار قراره واحترامه. * أستاذ العلوم السياسية من الإمارات ورئيس المجلس العربي للعلوم الاجتماعية وأستاذ جامعي زائر بجامعة لندن LSE