قد يظن البعض أن هذا العنوان هو على غرار عناوين الصفحات الرخيصة، التي تبحث عن المشاهدات بكل الوسائل، لكن الوضع في المغرب قد وصل إلى ذروة الاحتقان، هي فعلاً القيامة، فمع إجراء الانتخابات التشريعية، في 7 من أكتوبر/تشرين الأول، يتضح للمتتبعين أن الربيع الديمقراطي لم يتم إجهاضه في مصر وسوريا وليبيا فقط، ففي المغرب كذلك المساعي جادة، والجهود جبارة من أجل الانقلاب على الإرادة الشعبية، وعلى الخيار الديمقراطي الذي اتفق عليه المغاربة -ملكاً وشعباً- في سنة 2011. مسلسل الانقلاب الناعم بدأ مباشرة بعد صدور نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية التي لا يمكن أن يعبر عنها بغير "الصفعة"، نتائج تبوَّأ فيها الإسلاميون المركز الأول، من حيث عدد الأصوات، مما جعلهم يسيرون المجالس الجماعية للمدن الكبرى بأغلبيات مريحة. انتخابات الرابع من سبتمبر/أيلول دقت ناقوس الخطر؛ ليهرع الانقلابيون مع مطلع السنة الحالية إلى إحراج الحزب الحاكم مرة بعد أخرى، بحشد المواطنين وتجنيدهم في الشوارع، معارك كثيرة تم الركوب عليها واستغلالها؛ ليبدو وكأن الشعب برمته ينادي بإسقاط الحكومة، ابتداء بمعركة الأطباء وأساتذة الغد، مروراً بمعركة إصلاح صندوق التقاعد. وفي كل مرة تفشل كل الأساليب، ويتضح أن الحزب الإسلامي ومن معه من الشرفاء ثابت على نهج الإصلاح قدر المستطاع، تعميق الهوة بين الشعب وحزب العدالة والتنمية لم يتوقف عند الركوب على المعارك المشروعة؛ لكنه تجاوز الأمر إلى توظيف أقلام عميلة وشراء منابر إعلامية بأموال لا يعلم أحد مصادرها؛ لينفث هذا النوع من الإعلام الرديء الهابط -إن جازت تسميته إعلاماً- سمومه، وينشر أكاذيب ما لبثت تعلق بأذهان الناس. إشاعات عن زيادات مرتقبة، وأكاذيب تمس تفاصيل الحياة الخاصة لقياديين إسلاميين بارزين، شعارات رنانة عن أخونة الدولة، وعن المتاجرة بالدين، والجهال من الشعب يرددون كل تلك الأخبار بلا وعي أو تعقّل. استغلال جهل شريحة واسعة من الشعب بلغ مداه في مسيرة روج لها كمَسيرة مليونية تطالب برحيل رئيس الحكومة؛ لكنها لم تزد عن كونها تجمعاً لكوكبة صغيرة من المغاربة، شدوا الرحال إلى الدار البيضاء من مناطق نائية، يحملون لافتات لا يفهمون ما كُتب عليها، ويهتفون برحيل بنكيران من الصحراء، معتقدين أنه قد نودي عليهم لتحرير الصحراء! مشاهدة الفيديو الذي نقلته بعض المنابر الإعلامية النزيهة أصابتني بالحرج من حال الشارع المغربي، أهكذا يسافر المرء لـ140 كلم وأكثر من أجل ورقة نقدية لن تكفيه لبضعة أيام؟! أهكذا يتم استحمار الناس ليهتفوا في الشوارع برحيل مَن لا يعرفون؟ والذي يثير الاشمئزاز في النفس هو ضلوع بعض القياد والمقدَّمين وانغماسهم في هذه الفضيحة حتى الآذان، فحسب تصريحات المشاركين في المسيرة، طاف عليهم هؤلاء يحشدونهم حشداً في الحافلات. إن كل ما يقوم به "المخزن" هو تحركات محسوبة وغير محسوبة، يضرب ضرب عشواء، يستنفد آخر ما في جُعبته المقيتة، لقد وصل الصراع إلى ذروته، وقيامة الانتخابات وأهوالها كشفت عما يشعر به "المخزن"، إنه شيء واحد: "الخوف"، الخوف من أن يفلت حبل السلطة من بين يديه، من أن يستيقظ الشعب المغربي ويستفيق ويهرع إلى ممارسة حقه وواجبه في الاختيار، الخوف من التصويت بكثافة لمن يريد صالح البلاد والعباد، والرعب من سيناريو لم توقع عليه الأيادي المخزنية ولم تباركه. لقد عاش هؤلاء طيلة خمس سنوات على وهْم أن يتم إسقاط التجربة الحكومية، أو أن يتم جر الإسلاميين لمعارك مفتعلة في الشارع، فيلصق بهم وابل من التهم، وتطوى صفحتهم وتفرغ من شؤونهم الأقدار، ويعود المغرب إلى سابق عهده بلداً يرفل في الأمان، وشعباً يسبِّح باسم المسؤولين، وصحافة تساند أصحاب المال، وناخبين يشترون بدراهم معدودة. إلا أن الأيام كانت كفيلة بتحطيم الوهم المخزني، وعرض الحقيقة المُرة التي تنبئ بأفول دولة المخزن، وببداية عهد جديد الإرادة الشعبية فيه وحدها هي الفيصل. لقد عاش المغرب فيما قبل "سنوات الرصاص" الدامية، التي لا نزال ننظر إليها بشيء من الحرج والخجل، كمرحلة تشوّه دولة الحق والقانون، وخلفت هذه السنوات خوفاً من "المخزن" ما لبث يتناقله المغاربة عبر جيناتهم، إلا أن ضمان المستقبل رهين بنفض هذا الخوف، و"المخزن" ليس مقدساً حتى نتستر على خطيئاته ودسائسه. إن المواطن المغربي الذي فقد الثقة في جدوى التصويت، والذي يقاطع العملية الانتخابية، يتحمل مسؤولية ما سيحدث في قادم الأيام، وما ستعيشه الأجيال المقبلة في حالة ما إذا تم الانقلاب على الخيار الديمقراطي وعلى مكتسبات ربيع 2011، وهو ما تشير إليه كل المؤشرات. إن كنت من الذين فقدوا ثقتهم في العملية السياسية بدعوى أن "المخزن" يدبر كل شيء كيفما يشاء، فاعلم أنك تخدم أجندة الآخرين من حيث لا تحتسب، ومن صالحهم أن يعزف أولو الألباب من المواطنين، وينفضّوا عن صناديق الاقتراع ليأتوا بأمثال مَن حضروا في المسيرة المهزلة، ويستعملوهم كمكون رئيسي في إنجاح الطبخة. المغرب اليوم بحاجة إلى أبنائه الذين لا يبيعون ذممهم، علينا جميعاً أن نتجند في هذه المحطة التاريخية، ونفتح أعيننا ونتجهز، ونتصدى للخروقات التي قد تقع وتحدث، سواء خلال الحملة الانتخابية، أو خلال يوم التصويت، وكل مَن شهد خرقاً معيناً، من رشى أو عطايا أو غيرها ولم يبلغ عنها، فهو بذلك يتحمل وزر تردِّي أوضاع هذا الوطن. لست هنا لأقول صوّتوا على هذا الحزب الفلاني أو ذاك، فالبرامج الانتخابية موضوعة رهن إشارة الجميع، وكلنا ندري كيف تم إعداد هذه البرامج، أما إن لم تقتنع بأي من البرامج المعروضة، فاختَر مَن لن ينهب ثروات الوطن، ذاك أخف الأضرار، لكن إياك أن تنجح لعبة المخزن. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.