جذب إقليم «أوروميا»، ذو الأغلبية المسلمة، وسط غرب إثيوبيا الأنظار، ليتصدر وسائل الإعلام محلياً وعالمياً، خلال الأيام الماضية، عقب مصرع العشرات في مهرجان سنوي، تخللته احتجاجات ضد السلطات.، مما أدي لإعلان رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريم ديسالين، حالة الطوارئ في البلاد اليوم الأحد، بعد موجة من الاحتجاجات. وطبقا لما أفاد به محيي الدين جبريل مراسل «الغد» في الخرطوم، بأن إعلان الحكومة الإثيوبية حالة الطواريء بعد موجة الاحتجاجات الواسعة ضدها يعني أن الوضع قد وصل لمرحلة حرجة جدا، خاصة بعد الأنباء التي تحدثت عن أن المظاهرات وصلت لمدن وبلدات على الحدود الكينية وهذه نقطة تعتبر بعيدة نسبيا عن منطقة الأورومو، وهو يعني توسع دائرة الاحتجاج. ولا تعد الاحتجاحات الأخيرة من قبل سكان إقليم «أوروميا» الأولي من نوعها، فشهدت المنطقة احتجاجات، متقطعة خلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين، وشهدت أعمال عنف بين المتظاهرين المناوئين للحكومة، وقوات الأمن. وقبلها اندلعت مواجهات، مماثلة خلال شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2015، بدأها طلاب مدارس وجامعات، وانضمت إليها، قطاعات أخرى، جراء ما اعتبروه «محاولة السلطات السيطرة على أراضي الإقليم»، في اتهام لخطة حكومية تهدف لتوسيع حدود العاصمة أديس أبابا، لتشمل عددًا من مناطق الإقليم. كما يعاني الإثليم من شماكل سياسية تتمثل في حرمانة من الحصول على وضعه السياسي، رغم أنه يمثل 40% من سكان إثيوبيا. ولذلك فشلت محاولات رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام ديسالين، احتواء الغضب المتصاعد من سكان الأوروميا، عندما وعد بان خطط الحكومة التوسعية لربط المناطق المجاورة للعاصمة أديس أبابا المتاخمة لإقليم أوروميا «لن تتم دون موافقة الشعب»، مشيرا إلى أن هذه الخطة هي مجرد مقترح فقط، فيما أعلنت حكومة إقليم أوروميا إلغاء التوسعة من جانب واحد. غير أن مهرجان، «إريشا»، الذي أقيم في مدينة «بشفتو» (دبريزيت) بالإقليم، منذ أسبوعين، شهد المواجهة الأعنف، وراح ضحيته، حسب الرواية الرسمية، 55 قتيلاً وأكثر من 100 جريح، في تدافع للمشاركين. بيد أن المعارضة، على لسان «ميرارا جودينا»، زعيم حزب «مؤتمر أورومو الاتحادي»، كذّبت الرواية الحكومية، واتهمت السلطات بـ«استخدام الرصاص الحي» لفض التظاهرات، ما تسبب في «مقتل العشرات وجرح المئات واختفاء الآلاف»، وذلك خلال لقاء مع إذاعة «صوت أمريكا» عقب الحادثة. المعارضة: سقوط 600 قتيل فيما طالبت أربعة أحزاب للمعارضة الأورومية في الداخل؛ بتنحي حزب «المنظمة الديمقراطية لشعوب أورومو» الحاكمة في الإقليم وخصم جبهة تحرير أورومو؛ واتهمته بـ«التبعية للحكومة المركزية». وقالت الأحزاب الأربعة أن عدد القتلى بلغ أكثر من 600 قتيل بمهرجان «إريشا». وجاء ذلك في بيان أصدرته المعارضة. وأشار البيان إلى أن الأحزاب وهي (جبهة تحرير أورومو؛ وجبهة وحدة تحرير أورومو؛ المؤتمر الوطني لأورومو؛ وحزب تحرير قومية أورومو)، تطالب بضرورة إجراء تحقيق مستقل لمعرفة قتلة المواطنين الأوروميين. وركزت أحزاب المعارضة في الداخل هجومها على «المنظمة الديمقراطية لشعب أورومو» الحاكمة في الإقليم، إحدى الأحزاب المكونة للائتلاف الحاكم في إثيوبيا. وسعى «ديسالين»، من جديد إلى تهدئة الأمور، متعهداً بملاحقة المتورطين في الواقعة، جراء التدافع. واتهم ديسالين في تصريحات له من وصفهم بـ«المجموعات المناوئة للسلام» بالوقوف وراء ما جرى في موقع الاحتفال، من دون تسمية جماعة بعينها. من جانبها، حملت حكومة إقليم أوروميا (التي تحكم الإقليم في إطار الحكم شبه الذاتي)، «جبهة تحرير أورومو» المعارضة، مسؤولية «أعمال التخريب» التي شهدها المهرجان. وأمام تصاعد الأزمات في الإقليم، سعت أطراف في الحكومة، خلق «شماعة»،بالأدعاء بأن مصر تقف وراء التصعيد في الإقليم، ونجد أن التلفزيون الحكومي الإثيوبي بث، الأربعاء الماضي، أدعى إنه اجتماع لـ«جبهة تحرير أورومو»، المحظورة، في مصر، مشيراً إلى مشاركة شخصيات مصرية فيه، وسط مطالبات بانفصال الإقليم عن إثيوبيا، وهو ما أثار القاهرة، ونف بعد ساعات قليلة وزارة الخارجية المصرية، واصفة إثيوبيا بـ«الدولة الشقيقة»، التي تتمنى لها التقدم والازدهار. الخريطة السياسية في إقليم أوروميا واعتبر عمر إبراهيم، الباحث في مركز الدراسات والبحوث بالقرن الإفريقي (غير حكومي) أن ما جرى بمهرجان «إريشا»، لم يكن متوقعاً خاصة بعد الإصلاحات الأخيرة في حكومة إقليم أوروميا، والتي أطاحت برئيس «المنظمة الديمقراطية لشعوب أورومو» مختار خضر، ونائبته أستير مامو، وانتخاب «لما مغاسا»، رئيس برلمان إقليم أورومو، رئيسا للحزب (المنظمة الديمقراطية لشعوب أورومو الحاكمة للإقليم منذ 25 عاماً)، و«ورقني قبيو»، وزير النقل والمواصلات في الحكومة الاتحادية، نائباً لرئيس الحزب، وذلك نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي. وتحدث الباحث عن ظهور 3 اتجاهات رئيسية في الإقليم، عقب الحراك السياسي الكبير الذي شهده منذ أحداث نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2015، وتتمثل في «الجبهة الحاكمة» في الإقليم ولديها إمكانات كبيرة، سياسياً واقتصادياً وأمنياً. وبحسب إبراهيم، هناك جناح ثان، يمثله رئيس البرلمان الإثيوبي أبادولا جمدا، وهو الأقوى، وله خبرة سياسية باعتباره أحد القادة البارزين في «الجبهة» الحاكمة في إثيوبيا؛ وشغل منصب حاكم الإقليم أكثر من 10 سنوات، وهذا الجناح يتمسك بالحكومة الاتحادية مع استقلالية النفوذ في الإقليم. ويقود الائتلاف الحاكم في إثيوبيا (تشكل عام 1989) الجبهة الشعبية لتحرير شعب تجراي، وتضم بالإضافة لها 3 أحزاب أخرى هي: المنظمة الديمقراطية لشعوب أورومو، والحركة الديمقراطية لقومية أمهرا، والحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا. ويطالب الجناج الثاني بأن يكون الإقليم شريكاً حقيقياً وله دور أساسي في صنع القرارات. أما الجناح الثالث فيمثل القوميين في «أوروميا»، الذين يتبنون المزيد من الاستقلالية، وأقرب إلى التيارات الانفصالية، الذين يمثلون الحرص القديم لـ«جبهة تحرير أورومو»، التي تم حظرها من قبل الحكومة في العام 1994. ويعتقد إبراهيم أن حاكم الإقليم السابق ورئيس«المنظمة الديمقراطية لشعب أورومو» الحاكمة في الإقليم، كان ضحية صراع بين الصقور والحمائم داخل الجبهة الحاكمة بالإقليم. المسلمون أصحاب التأثير المباشر ويرى أن الاحتجاجات، التي يشهدها إقليم أوروميا، التحدي الأكبر للجيل الجديد، الذي وجد نفسه وجهاً لوجه مع الاحتجاجات والتداخلات الإقليمية والدولية وملفات مياه النيل، مرجحأ أن يكون للمسلمين «التأثير المباشر» على السياسة في الإقليم «إذا ما استخدمت القوى السياسية للمسلمين ورقة في التسوية وحل الأزمة». ويضيف: من يستطيع من السياسيين كسب المسلمين إلى جانبه سترجح كفته». ويشكل المسلمون في إقليم أوروميا الأغلبية بنسبة 75% من سكانه، الذين يمثلون 38% من مجموع سكان إثيوبيا، البالغ 95 مليون نسمة. ويعتبر المسلمون «القوى الصامتة» التي يمكن أن تنفجر في أية لحظة، بحسب مراقبين. من جانبه يقول «أببي أيني»، الباحث الإثيوبي في العلاقات الخارجية والدراسات الاستراتيجية، إنه من الصعب تشخيص الوضع الحالي بعد «اختلاط جميع الأوراق» على الساحة في إقليم «أوروميا». وحمل الحكومة الإثيوبية مسؤولية تحقيق السلام والأمن بموجب الدستور، مضيفاً: «يتعين حل الخلافات مع المحتجين وعدم الانجرار وراء العنف»، معبراً عن قلقه من انتقال «عدوى الربيع العربي» إلى إثيوبيا، لأنها «لم تأت إلى شعوب تلك الدول إلا بالدمار وانهيار الحكومات»، وفق رأيه. و«أوروميا»، كان أول إقليم تبنى المعارضة المسلحة في تاريخ البلاد، منذ ستينات القرن الماضي. وتعتبر «جبهة تحرير أورومو»، التي أنشئت في تلك الفترة، أول حركة مسلحة تقف في وجه الإمبراطور هيلي سلاسي، الذي أطاح به الجيش العام 1974، واستمرت الجبهة في مواجهة نظام «منجستو هيلي ماريام»، والذي أطيح به هو الآخر العام 1991 من قبل «الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية» الحاكمة حالياً. ويعتبر الإقليم، الذي يحيط بالعاصمة أديس أبابا، عصب الحياة الاقتصادية للدولة، فضلاً عن تداخلاته مع 6 أقاليم رئيسية، وهو سلة غذاء الشعوب والقوميات الإثيوبية ومصدر رئيسي لاقتصاد إثيوبيا، ويتمتع بحكم شبه ذاتي. ويتمتع إقليم «أوروميا» بحكم شبه ذاتي، ويتبع الكونفيدرالية الإثيوبية المكونة من 9 أقاليم، والتي بدأت الحكم الفيدرالي بعد سقوط نظام منغستو هايلي ماريام عام 1991. ويعدّ شعب قومية الأورومو من أقدم الشعوب القاطنة لمنطقة القرن الإفريقي، ورغم عدم وجود تقدير دقيق لتاريخ استيطانهم للمنطقة، إلا أن إشارات كثيرة توحي بأنهم يقطنون المنطقة منذ ما يقارب 7 آلاف سنة، بحسب مراجع تاريخية.