تشهد المشاريع المتعثرة في كثير من مناطق المملكة، على قصور ما، وهدر للمال العام، في زمن باتت البلاد أحوج فيه إلى الترشيد، لمواصلة مسيرة التنمية. والمشروع المتعثر كما يعرفه الاختصاصيون هو الذي يبتدئ العمل فيه ضمن جدول زمني محدد، ثم يتوقف لأسباب قد تكون خارجة عن إرادة المقاول في موقع التنفيذ، أو قصور منه، ويوثر سلبًا على حركة عجلة التطور في أي مكان، والتعثر ليس مرتبطًا بمكان أو زمان محددين، وليس له تاريخ، بل مشكلة عالمية، تزيد في دولة، وتنخفض لأدنى مستوياتها في الدول المتقدمة التي تعتمد أنظمة صارمة في محاسبة المتقاعسين عن أداء ما هو مطلوب منهم. شبهة فساد ومحسوبية وأرجعت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) أسباب تعثر المشاريع إلى وجود شبهة للفساد والمحسوبية وعدم المتابعة لما يتم تنفيذه. وبينت أن عدد مشاريع المقاولات التي تمت مراجعتها منذ إنشاء الهيئة 1526 مشروعاً، وبلغت نسبة المتعثر والمتأخر منها 44% بعدد 672 مشروعًا. ترليون ريال خسائر الدولة يعزى تعثر المشاريع إلى ترسية عقود التنفيذ على أساس السعر الأقل وليس الجودة، وسرعة الإنجاز، وعدم تهيئة المقاولين المحليين لحجم المشروعات المنفذة؛ حيث اتضح أن 70% من تعثر المشاريع يعود للمقاولين و30% يعود خللها من البلديات والأمانات وجهات أخرى؛ وتتكبد الدولة خسائر تقدر بنحو تريليون ريال بنسبة تصل إلى 25 % من قيمة المشروعات؛ مما اضطرها إلى الاستعانة بـالمقاول الأجنبي، إلى جانب نقص تأشيرات العمل لصالح المقاولين، وطول الإجراءات للحصول على التراخيص واستلام مستحقاتهم. وأرجعت وزارة الإسكان، أسباب تعثر المشاريع وتأخيرها، إلى القصور الشديد في القدرات الفنية والإدارية والبشرية للمقاولين، مشيرةً إلى أن واقع حال المقاولين يختلف تماماً عن التصنيف العالي الذي تمنحه إياهم وزارة الشؤون البلدية والقروية. التعليم يتكلم صيني! تنتشر المشاريع المتعثرة بمختلف أنواعها في أنحاء المملكة، منها الصحية والتعليمية والطرق والبلدية والإسكانية، ما يستدعى وقفة جادة من الجهات المختصة لمعرفة الأسباب وضبط الأمور ومحاسبة المنفذين المتقاعسين عن أداء ما هو مطلوب منهم. ومازال مشروعا مستشفى الملك عبدالله بسعة 500 سرير ومستشفى الولادة والأطفال بسعة 200 سرير، في محافظة القنفذة في طيّ النسيان، منذ اعتمادهما قبل 5 أعوام، سوى تحديد أرضيهما فقط، وغيرهما من المشاريع الصناعية وإنشاء الطرق والأنفاق، والمباني، والمشاريع الضخمة من المطارات والموانئ، والكهرباء والمياه، قدّرت بنمو يصل إلى 750 مليار ريال. وفي مطلع العام 2016م، أعلنت وزارة التعليم عن تعثّر 120 مشروعًا كانت قد سلّمت إلى شركة مقاولات صينية قبل 10 سنوات، وأكد ذلك وزيرها الدكتور أحمد العيسى، قبل أيّام. النبوءة تتحقق بعد 8 سنوات في نوفمبر من عام 2008م؛ أكد عبدالله بن فهد الهزاع نائب رئيس لجنة المقاولات في غرفة الشرقية أن 90% من مؤسسات وشركات المقاولات من إجمالي 50 ألف منشأة مقاولات في المملكة غير مؤهلة لتنفيذ المشاريع التنموية والمشاريع الضخمة في المملكة، موضحًا أن 10% فقط من شركات المقاولات في السعودية لديها القدرة على تنفيذ المشاريع الضخمة، متنبئًا، في ذلك الوقت، بأن شركات المقاولات مهددة بالتفكك والضياع، وخصوصًا مع دخول شركات أجنبية، وعدم وجود خبراء وفنيين متخصصين ومؤهلين. وبعد مرور 8 سنوات، وتحديدًا في مايو من العام الحالي 2016م، تأكدت نبوءة التفكك والضياع؛ حيث قال المهندس عبدالحكيم الخالدي، رئيس لجنة المقاولين بغرفة الشرقية، إن 20% من المقاولين انسحبوا من القطاع خلال الـ8 أشهر الماضية، بسبب الركود الذي يشهده، وانخفاض نسبة المشروعات التنموية ومشروعات القطاع الخاص، كاشفًا أن قرابة 50% من شركات المقاولات تحولت لمجالات الصيانة والتشغيل، كما انخفض معدل التوطين بنسبة 10%. وفي جدة، أوضح المهندس عبدالله رضوان، رئيس لجنة التشييد والبناء بغرفة جدة، أن قطاع المقاولات يشهد ركودًا بنسبة تصل إلى 40%، بسبب انخفاض المشروعات التنموية وانخفاض أسعار النفط، بالإضافة إلى عدم توفر البنية التحتية خارج النطاق العمراني.