في خضم تغييب الحوار الموضوعي، واستشراء الجدل بغير الحسنى، والدائر حاليا في بلدنا، حول الغاز والمناهج والانتخابات والحكومة الجديدة ومجلس الأعيان الجديد، يظهر جليا حجم التوتر السائد في مجتمع فئات النخب العاتبة والغاضبة، متزامنا مع شكوى العامة جراء الفقر والبطالة أم الفقر، وعلى نحو يوفر بالضرورة، بيئة خصبة للإشاعات ولإلتقاء الطرفين، النخب والعامة، على مائدة السخط على الحكومة وصناع القرار. هذا الحال المائل في بلد بلا موارد وجفت في وجهه معظم إن لم يكن كل مصادر الدعم الخارجي، يستدعي تغليب الحكمة والحمية الوطنية المعهودة دعما للملك رأس الدولة، بدلا من التلذذ بإطلاق الاتهامات، ورفع الشعارات، دون تفعيل الشعور بالمسؤولية نحو الوطن، والكامن حتما، في ذوات سائر ابناء الوطن وبناته، وهل يعدل الوطن بعد الإيمان قيمة في هذا الوجود غير الوطن، وهو اليوم، المحاط بجدار من النارمن كل الإتجاهات، والمهدد بأبشع التطلعات والتمنيات، للكثيرين في هذا الإقليم الملتهب حد الفوضى والضياع! يحاول الملك جاهداً أن يبعد الشر عن البلد، ويظلم حظه من ينكر أن الملك نجح وبإمتياز حتى الآن في تحقيق هذا الهدف العظيم، بالسياسة والدبلوماسية التي تولاها وحيدا، وبالجيش الباسل وقوى الأمن الباسلة التي أصاب في وضعها في عهدته وإشرافه، وأتساءل وأسأل الناقدين، لمن يتركهما إذن إن لم يفعل، وأترك الإجابة لضمائر الجميع راضين وعاتبين وغاضبين! يحاول الملك جاهدا ووحيدا، أن يجلب المال والأعمال والإستثمار حلا للبطالة والعطالة، ونجح نسبيا برغم هول المصاعب التي تصنعها مصالح الدول وتقاطعاتها، بينما يحتفظ أردنيون ومنهم عاتبون وغاضبون ومنتقدون ومطالبون، بأكثر من ثلاثين مليار دينار ودائع مجمدة في بنوكنا المحلية، والله وحده أعلم كم هي ودائعهم في مصارف خارج الوطن! يحاول الملك جاهدا ووحيدا أن يحقق الإصلاح المنشود وبتدرج، ويأبى أصحاب الرؤوس الحامية، إلا أن أن يكون الإصلاح على مقاس كل فرد منهم، وإن تعذر، فالدنيا خربة إذن !، وعلى نحو يستحيل معه إرضاء فئة بعينها، في بلد يصعب أن يدعي أحد أن فيه أحزابا حقيقية، أو حتى مجموعات تعبر عن رأي واحد موحد، فكل يغني على ليلاه، وليلى لا تريد أحدا منهم! يحاول الملك جاهدا ان يرضي كل الأطراف بتوزيع المناصب،وما عادت بالمغانم في هذا الزمان، لكن المصيبة أن الكثرة، طامحون وربما منهم طامعون، ولا حل ربما إلا بحكومة من طابقين أو طوابق، وبمجالس اعيان وغيرها متعددة الطوابق، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقد أعمى بريق المناصب بعضنا عن الحقيقة، وعن حال بلدنا اليوم وسط النار لا عند حوافهها.. أدرك ان ظروفنا العامة لا تبعث على بهجة وراحة بال، فالفقر ينخر أجسادنا، وهو سر معاناتنا الأكبر، ولكني أدرك في المقابل، أن هذا البلد هو بلدنا، ولا ظل لنا بعد ظل الله سوى ظله، وان الاردن الذي به نتغنى، ما كان بالثري يوما، وأن الوطن ليس مغانم بل شرف، ولا مناصب بل ستر، وأن الدنيا ونحن منها، تغيرت كثيرا وجذريا، ولا مناص أمامنا إلا أن نتغير معها، وأن التحديات التي تتهدد مصائر الشعوب من حولنا، بادية للعين ولا تخفى عن صاحب بصر وبصيره، ولنتصور لا قدر الله حالنا لو حل بنا ما حل بغيرنا من أشقاء, رفع الله عنهم محنتهم. الملك والوطن صنوان، والملك قطعا يتمنى لو تشرق شمس الغد وقد غدا الاردن سويسرا الشرق، لكن الحمل ثقيل ومضن ومروع وحمله يشبه المستحيل. نعم، الوطن والملك صنوان، وكل حريص على الاردن في هذا الزمان الملتبس والمنفلت من عقاله، المشحون بالمفاجآت المرعبة، يجب أن يكون عونا للملك لا عبئا عليه، عل الله ينجينا من هذا الدمار والخراب الدائر عند أقدامنا، وناره تكاد تلتهم تلابيب ثيابنا، وكل عتب أو غضب ليس هذا زمانه، وعندما تستقر المنطقة بإذن الله، سنملك ترف العتب والغضب وأنا أول الفاعلين، اما اليوم، فلا عذر لمن يشرد من معركة الإبقاء على الاردن سالما من شرر الشر الداهم من كل الارجاء، وبعدها تأتي مجالس الضحى لنتعاتب ونتلاوم ويطلب كل منا حقه. ختاما وبصدق، أجزم أن كل العاتبين والغاضبين والناقدين، وطنيون شرفاء لا مجال لا سمح الله، للتشكيك بنوايا أحد منهم،ولو أستثيرت نخوتهم للوطن، فهم لها جميعا، وليس سرا أن الاردنيين وبلا استثناء لاحد، في طليعة شعوب الارض نخوة وحمية ووفاء وإفتداء للوطن والعرش، وما خاب من إنتخى بهم أبدا. الله سبحانه وتعالى من وراء القصد.