ارتبط مصيره بكاميرا.. ونسجت ملامحه بابتسامة.. وولد لقبه "نحلة" وسط مخاض ثورة.. فكانت حكايته ملحمة يتداولها أصدقاؤه وأبناء جيله وشركاء حلمه ليغمروا بها العالم الأزرق، حيث بلغت ذروتها في الساعات الأولى من صباح اليوم الإثنين 3 أكتوبر 2016، برحيل الشاب المصري "مهند إيهاب" المعروف بـ"نحلة ثورة 25 يناير" عن دنيانا بعد أيام من إتمامه عامه العشرين. "مهند مات"، وسم (هاشتاغ) احتل المرتبة الأولى في مصر، خلال ساعات من رحيل الشاب العشريني، فلماذا تفاعل معه كل هؤلاء؟ وما هي قصة مهند المصري؟ التهمة: كاميرا شارك مهند المولود في 28 سبتمبر 1996 بمحافظة الإسكندرية في ثورة 25 يناير 2011 وهو في عمر الخامسة عشر، فانطلق كالنحلة بين أنشطتها المختلفة خلال الـ 18 يوماً هي عمر الثورة التي أدهشت العالم ووصفت بأنها انطلقت من فيسبوك على أيدي جيل مهند وأصدقائه. وبعد أحداث 3 يوليو 2013 شارك مهند في الاحتجاجات والاعتصامات الرافضة لإطاحة الجيش بالرئيس الأسبق محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب بعد ثورة 25 يناير. وفي يوم 27 ديسمبر/كانون أول 2013، كان مهند على موعد مع حدث لم يكن يتصور أن يقع له بعد ما اعتبره هو وجيله "نجاح" ثورة 25 يناير 2011، حيث كان الفتى السكندري يصور إحدى المظاهرات بكاميرته عندما تم اعتقاله من قبل قوات الأمن، وكان عمره آنذاك 17 عاما، فأودع إصلاحية الأحداث، ثم صدر الحكم بسجنه 5 سنوات تم تخفيفها في الاستئناف إلى 3 أشهر، خرج بعدها مصراً على استكمال دوره في توثيق الأحداث الفارقة الذي يمر بها وطنه عبر عدسة كاميرته. للمرة الثانية وفي 21 يناير/كانون الثاني 2015، تم القبض على مهند مرة أخرى وسجنه بنفس التهمة "تصوير مظاهرة"، وأودع سجن برج العرب في شهر مارس/آذار 2015، ولم يمر سوى شهرين فقط حتى بدأت حكاية مهند تأخذ منعطفاً أكبر من مجرد الاعتقال. عن هذه اللحظات كتب على صفحته الشخصية في فيسبوك: "بدأت أشعر بالمرض مع استمرار عمليات القيئ، وعدم قدرتي على تناول الطعام، ثم بدأت أنزف الدم من أنفي ولا أستطيع الحديث أو إمساك الأشياء أو دخول الحمام، وعندما ذهبت لمستشفى السجن بعد رفض الإدارة لمدة 3 أسابيع قالوا لي إنني مصاب بالأنيميا دون توقيع الكشف الطبي علي، ثم قالوا تايفود، ثم قيل لي فيروس في الكبد، ثم نقلوني إلى مستشفى الحميات، ولم يستطيعوا تشخيص المرض، حتى سمحوا لوالدي بأخذ عينة دم من جسدي ليحللها بالخارج ويكتشف تمكن مرض السرطان من دمي بنسبة 93%". ابن الـ19 في عنبر الشيخوخة! بعد شهرين كاملين دون علاج قامت إدارة السجن بنقل مهند لإحدى المستشفيات العامة التي تزدحم بالمرضى الفقراء الذين لا يستطيعون تحمل نفقات العلاج بالمستشفيات الخاصة، وتم وضعه في عنبر الشيخوخة نظراً لاكتظاظ عنبر أمراض الدم بالنزلاء. ورغم أنهم بدأوا يقدمون له العلاج الكيماوي كسجين تحت المراقبة في هذا المشفى الحكومي، إلا أن المفاجأة كانت أن والد مهند لم يجرؤ أن يخبر نجله الوحيد بحقيقة مرضه حتى ذاك الوقت! ويروي "نحلة" عن تلك اللحظة التي عرف فيها بحقيقة مرضه قائلاً في منشور على فيسبوك "لم أكن أعلم حقيقة مرضي رغم كل ما حدث مع إدارة السجن، وأول مرة أعرف بها عندما ذهبت إلى جلسة تجديد الحبس الاحتياطي، ومع هزالة جسدي وبدء تساقط شعري وجدت المحامي يخبر القاضي بمرضي وإصابتي بالسرطان، بعدها صدر قرار الإفراج عني على ذمة القضية لأخرج وأسافر في رحلة علاجي إلى أميركا". لا علاج.. حتى في أميركا وبعد عدة أشهر من محاولات العلاج، اتضح أنه لا يوجد دواء مجد من العلاجات المعتمدة، فوافق مهند أن يتطوع ليتم تجربة أدوية جديدة عليه لعلها تجدي، وفي 28 يوليو/تموز 2016 كتب "أنا فعلًا بقالي فترة طويلة تعبان جدًا ومافيش لحد دلوقتي ولا مرة نتيجة تحليل أو أي حاجة طلعت أفضل من اللي قبلها والوضع كل يوم بيزداد سوء، والمرض فعلًا اشتد عليّا جدًا والألم لا يطاق وكل يوم بيحصل شيء جديد يسوء الموضوع ويصعب المسألة". "كل تجربة عملتها فشلت ووصلت لدرجة من فقد الأمل ماتوقعتش إني ممكن أوصلها وبقيت مدرك خلاص إني مش هخف"، أضاف مهند، قبل أن يختتم تدوينته بطلب الدعاء له. ولاقت حالة مهند تعاطفاً واسعاً، حيث عبر عنها الداعية مصطفى حسني عندما كتب تدوينة على صفحته الشخصية بـ"فيسبوك" يقول فيها: "أنقذ حياة شاب بين الحياة والموت بدعوة.. بص كده.. الـ3 صور دول لنفس الشخص على فكرة ده مهند.. بطل مصاب بسرطان الدم بنسبة 93%.. من أسبوع مهند بدأ مرحلة صعبة من العلاج والتأثير بتاعها قوي جدا على جسمه ﻷنه بياخد نوع كيماوي شديد جداً نظراً لحالته الصحية، وله أيام بين الحياة والموت في العناية المركزة". وأضاف "من سنة مضت الدكتور قال لمهند، أمامك 6 أشهر وتموت.. لكن إرادة ربنا فوق كل شيء، وما زال يحارب السرطان بفضل الله ورحمته.. مطلوب منكم دعوة من القلب لمهند". الـ"نحلة" في مواجهة "السرطان" رغم الوهن الشديد الذي اعترى جسده من اعتقال القضبان لسجن المرض، ظلت إرادة "نحلة" الشابة متشبثة بالحياة، حيث حرص على أن يقدم أوراقه للالتحاق بكلية التجارة جامعة الإسكندرية للعام الدراسي 2015/2016، وعندما لم يتح له المرض المداومة في دراسته، أصر على استكمال طريقه، وتمرد على قيود المرض.. وغادر فراشه لينضم للاحتجاجات التي أقيمت أمام الأمم المتحدة العام الجاري للتنديد بأوضاع حقوق الإنسان في مصر. كما أجرى عدداً من الحوارات والمقابلات التلفزيونية للحديث عن الموضوع ذاته من خلال تجربته الشخصية، والتي رغم قسوتها يراها أفضل كثيراً من أحوال نحو 60 ألف معتقل في سجون مصر. على حد قوله. إنه شعري.. ولكن! قد تظن أن هذا كوب به بعض الكولا أو مشروب الشاي الساخن.. إلا أن الصورة التي نشرها مهند على صفحته بتاريخ 14 أغسطس/آب 2016 كانت لكوب وضع بداخله شعره الأسود الناعم الكثيف، ليكتب تحتها مفسراً "إنه شعري وذلك ليس اختياري، آمل أن أقصه المرة القادمة.. السرطان مؤلم". وفي الرابع والعشرين من الشهر ذاته، كتب مهند آخر كلماته على صفحته الشخصية فيسبوك قائلاً.. قبل أن يتوقف عن الكتابة للأبد.. "اليوم هبدأ نوع علاج جديد وهيكون صعب جداً وآثاره الجانبية خطيرة جداً، فضلاً وليس أمراً أي حد يشوف الكلام ده يدعيلي دعوة حلوة بالله عليكم".