شخصية مميزة بالفعل، لم يمنعها الثراء، ولا توابع ذلك، عن حب الخير لكل الناس، كان رجلا بدون "أنا"، أو "نحن"، أو "لي" أو "عندي"؛ التي يشتكي منها غالب رجال المال والأعمال اليوم.. رحم الله علي العيسائي في صمت إعلامي يوافق شخصيته، رحل عن هذه الدنيا الفانية، ثالث أيام التشريق، الشيخ العم علي بن عبدالله العيسائي ـ رحمه الله ـ .. عرفته عن قرب، وعرفت عنه مجموعة من الخصال الكريمة، التي جسدت لي شخصيا قول سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لسيدنا عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ: "نعم المال الصالح للرجل الصالح"؛ فقد كان العم الفقيد من الأثرياء الصالحين، وهذا الأمر عرفه عنه كل من التصق به، وعلى المستوى الشخصي أشهد لله بجملة كبيرة من مساهماته الخيرة، ومبادراته الكريمة، التي كان حريصا على إخفائها، حتى عن أقرب الناس إليه، وعدم ظهور اسمه أبدا.. أجهل كثيرا تفاصيل علاقة العم علي العيسائي بالتجارة، ومتى، وأين بدأ نشاطه التجاري، وما هي هذه الأنشطة؟ ولكني أعرف أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ منحه أسباب النجاح في حياته، ولم يحرمه بفضله الكبير من أن يكون موفقا، وشخصيا لم تكن تستهويني في شخصيته الفاضلة، إلا الجوانب الإنسانية الأخرى، التي عظمت من قيمته عندي، وجعلته في مكان ومكانة خاصين.. العم علي كان حريصا على التعليم، وكنت أراه بنفسي وهو يصطحب أولاده، وأحفاده في كل صباح إلى مدارسهم، قبل ذهابه إلى مكتبه، وكان من القلائل الذين يحرصون على متابعة أبنائهم في سيرهم الدراسي، وزيارتهم في مدارسهم، والإنصات إلى معلميهم، والتفاعل مع توجيهاتهم، وفي نفس الوقت كان العم علي مواظبا على كل ما يوصله إلى العلم النافع، ولم يستنكف أبدا عن الجلوس لطلب العلم، وتميز كثيرا بحبه للاطلاع، وتنويع معارفه.. في السنتين الأخيرتين عانى العم علي من بعض الأمراض، ولصبره التام، ويقينه الكامل بربه، ظلت أدواره المباركة مستمرة، وبقيت الصلات به شبه دائمة، فقد كان رجلا يحمل كما هائلا من العلاقات الإنسانية المتنوعة، ورغم فارق السن بيني وبينه ـ رحمه الله ـ إلا أن الذي تكون بيننا كان تقديرا من نوع خاص، زاده ترفع العلاقة عن الفانيات.. اليوم وأنا أنعى العم علي العيسائي أنعى شخصية مميزة بالفعل، لم يمنعها الثراء، ولا توابع ذلك، عن حب الخير لكل الناس، وأملي كبير في عدم طول خسارة فقده، على من عرفه من أحبابه، وأن يقوم أبناؤه الكرام عبدالله، وخالد، ومحمد، وجمال، وعادل، وـ طلابي ـ هاشم، وعبدالعزيز، وأمين في السير على مسيرة أبيهم؛ الذي كان رجلا بدون "أنا"، أو "نحن"، أو "لي" أو "عندي"؛ التي يشتكي منها غالب رجال المال والأعمال اليوم.. رحم الله العم علي العيسائي رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أشقاءه، وسائر أهله، ومحبيه الصبر والسلوان.