حافظ البرغوثي توفي شمعون بيريز آخر المؤسسين للمشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، وسلم مشروعه إلى عتاة المتطرفين الذين يقاسمونه بعض أفكاره ويخالفونه في بعضها، وهم الآن في سدة الحكم. كان بيريز الأب الروحي للقوة العسكرية الإسرائيلية بدءاً من جمع السلاح وتكديسه للعصابات الصهيونية، وصولاً إلى القنبلة النووية، فقد نجح من موقعه في وزارة الحرب في الخمسينات في البدء ببناء مفاعل ديمونة من فرنسا والحصول على اليورانيوم المخصب بطرق مخابراتية ملتوية من الولايات المتحدة. وهو الذي عقد صفقة طائرات الميراج الفرنسية التي لعبت دوراً حاسماً في عدوان 1967 واحتلال الأرض العربية، وبعد اتفاق أوسلو قال، إنه لولا مفاعل ديمونة لما وقعنا اتفاق أوسلو في إشارة إلى القوة النووية الإسرائيلية غير المعلن عنها. هو الذي ارتكب مجزرة قانا في جنوب لبنان، ونجح بمكره ودهائه في اختراق عواصم عربية وإسلامية دبلوماسياً، وكان يتنكر في زياراته المختلفة لهذه العواصم للقاء مسؤولين من هنا وهناك، وكان حزبه أي حزب العمل الأب الروحي للاستيطان في الضفة وغزة والجولان، لكنه مع اندلاع الانتفاضة الأولى استنتج أنه أمام جيل فلسطيني ولد تحت الاحتلال لكنه لا يخشاه بل خرج بالحجارة والصدور العارية لمواجهة الرصاص والدبابات. ولعل ذلك جعله يفكر في إجراء اتصالات مع منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تختنق سياسياً ومالياً في تونس. أراد بيريز من وراء ذلك استثمار اللحظة الذهبية بعد حرب الخليج الأولى وعزلة منظمة التحرير لابتزازها من جهة ومنع ظهور قيادة شابة جديدة في الضفة وغزة أكثر جرأة ونشاطاً. واستشعر آنذاك فشل سياسة الاحتلال في مطلع الثمانينات في خلق قيادة مهادنة للاحتلال، ولم تنتج سوى روابط القرى وبعض العملاء والسماسرة. بعد اغتيال إسحاق رابين شعر بيريز باليتم السياسي ولم يستثمر عملية الاغتيال في الانتخابات التي خسرها لصالح بنيامين نتنياهو، العدو اللدود لاتفاق أوسلو واستسلم للواقع إلى أن عاد حزبه إلى الحكم بزعامة إيهود باراك مع انتهاء الفترة الانتقالية لاتفاق أوسلو، وفي هذه الفترة حاول بيريز تسويق فكرة دولة فلسطينية في غزة والعريش وتوجه إلى غزة للقاء الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي طلب من الطيب عبد الرحيم استقبال بيريز في مطار غزة، وأصيب عبد الرحيم بالوجوم؛ لأنها المرة الأولى التي يلتقي فيها مسؤولاً إسرائيلياً، وفي السيارة من المطار إلى مقر أبو عمار في المنتدى في غزة لاحظ عبد الرحيم أن بيريز ينظر إلى الأبراج السكنية التي ارتفعت في غزة وسمعه يقول: ستكون الدولة في غزة والعريش واعدة ومتطورة. واستغرب عبد الرحيم هذه الملاحظة وسارع بمجرد وصوله إلى المنتدى ليقول لأبو عمار.. هذا الرجل يتحدث عن دولة غزة والعريش في نهاية المرحلة الانتقالية. بالطبع رفض أبو عمار هذه الفكرة وكان قد رفضها عندما طرحها مناحيم بيغن على الرئيس المصري الراحل أنور السادات، كما رفضها السادات وقال لبيغن بالإنجليزية نو.. نيفر لا أبداً. فقد كان على ما يبدو يحاول تعويض فشل اتفاق أوسلو بإقامة دويلة في غزة وعلى حساب مصر. ظل بيريز مهمشاً بعد ذلك وانضم إلى حزب كديما بزعامة إرييل شارون الذي لم يؤمن يوماً بدولة فلسطينية ذات سيادة، بل بالانسحاب من غزة وتصديرها إلى مصر والإبقاء على المساحة الفلسطينية الصغيرة المسماة أ ضمن السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية. ومات شارون وتولى ورثة المشروع الصهيوني الاستيطاني التوسعي الذي يرفض حل الدولتين الحكم وكأنهم يقولون، انتهى اتفاق أوسلو وحل الدولتين وبدأ مشروع إسرائيل الكبرى وهو المرحلة الثانية من المشروع الصهيوني بإخضاع المنطقة العربية ككل. hafezbargo@hotmail.com