تتابع الرحلة الآسيوية لولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز بكثير من التكهنات والذي يثير الحنق أن البعض يريد للمملكة أن تسلم زمامها للغرب أو الشرق وأن تسير مع هذا شوطا ومع ذاك أشواطا، ويتناسى هؤلاء أن المملكة دولة ذات إمكانيات دولية وإقليمية ويحق لها تخير الطريق الذي يحقق لها مواصلة تطورها ونموها ويحافظ على مكانتها وحماية مصالحها الوطنية. ولأن السياسة في حالة تقلب دائم، يؤدي إلى تغير المواقع وتبادل لموازين القوى فإن على أي دولة اختيار الطريق الذي يحفظ سيادتها وأمنها ويصبح الأمن الوطني من أولويات اهتمامها. والمتطلع على الخارطة الجغرافية التي تحيط بالمملكة يلحظ تساقط الجيوش في البلدان المجاورة لها ويكشف عن رقة الحزام الأمني الذي يحيط بها بحيث أدى ذلك التساقط إلى انكشاف واقع تماسها مع دولتين نوويتين هما إسرائيل وإيران. وفي هذا الواقع الجغرافي وتغير السياسات الدولية واتساع أطماع السيطرة وفي ظل هذه المسببات فليس معيبا أن تتحرك أي دولة - تجد نفسها في خيارات استراتيجية - للبحث عن غطاء أمني يحميها من مخاطر القريب والبعيد. وحين تلاحق التكهنات رحلة ولي العهد فيما ينجزه لبلاده وأمنها ويتم تحويره بأنه بحث عن الوسائل الرادعة لمجابهة إسرائيل أو إيران تصبح تلك التكهنات تحريضا لإبقاء المنطقة في حالة توتر وعدم استقرار، وإن لم يكن كذلك فهو تدخل مباشر في الشؤون الداخلية لدولة ذات استقلال وسيادة تامين ووفق القانون الدولي لا يحق لأي جهة كانت التدخل في شؤونها أو فرض وصاية على قراراتها واختياراتها أو رسم الطريق الذي يجب أن تسير فيه. ولأن الفضاء السياسي يؤكد أن ليس هناك صديق دائم فإن الواقع المعاش يؤكد أيضا أن القدرة الذاتية هي الأمان الحقيقي للوجود. وإن كانت التكهنات التي تتابع رحلة ولي العهد الآسيوية تبحث عن إثارة الزوابع في الفناجين فهو التأكيد الواقعي على أهمية أن تكون الدولة ممتلكة لقوتها الذاتية وقرارها النابع من سعيها لتحقيق مصالحها الوطنية. وإثارة الزوابع تلك تحدث بالرغم من معرفة الجميع بأن المملكة من الدول التي وقعت على معاهدة منع الانتشار النووي وأنها تعمل على إخلاء المنطقة من التسلح النووي. وحين تبحث الآن عن تلبية احتياجاتها لمفاعلات نووية سلمية ذات الأغراض السلمية هو حق مشروع لأي دولة راغبة في استكمال تنميتها. إذ ليس من ضامن لأي وحدة سياسية أن تنتهك ويتعدى على سيادتها متى لم تستطع أن تمتلك القوة الرادعة التي تحول بين الأطماع والتعدي، فالتاريخ القريب أكد أن بالإمكان شن الحروب على دولة متكاملة الأركان وانتهاك سيادتها وأمنها بينما ظلت القوانين الدولية عاجزة عن منع ذلك الاختراق. إذن القوي هو من يصنع قوته ويذود عن حياض شعبه غير متهيب من أخذ الاستعداد لأي مغامرة تستهدف أمنه ووجوده.