تحت أشعة الشمس الحارقة وعلى أبواب مراكز الاقتراع وبالقرب منها في الأحياء الشعبية المكتظة في المدن الأردنية، انتشر أطفال بعمر الورود حاملين بطاقات وبوسترات، ربما لا يجيدون قراءتها وتنوء بها سواعدهم، لتوزيعها على الناخبين الداخلين إلى مراكز الإقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات النيابية الأخيرة. كانوا يستجدون الناخبين ببراءة وإلحاح للتصويت لمرشح ما، ولا يتركونهم إلا بعد الحصول على وعود بالتصويت لمن «استأجرهم» من ذويهم لقاء 3 دنانير. وعلى غير العادة، ارتدوا ثياباً زاهية وأنواطاً ملونة وموحّدة أحياناً وكأنهم فريق، وتركوا أسمالهم البالية وأحذيتهم الممزقة في إحدى زوايا باحة مركز الإقتراع للبسها ثانية بعد تأدية مهمتهم، فيما يرتدي «زي المهمة» أطفال آخرون «استؤجروا» لهذا اليوم الانتخابي الثقيل على أجسادهم الغضة. «لا أعرف معنى التصويت، ولكني ألح على أي شخص أشاهده يقترب من بعيد بالتصويت للمرشح (...)». هكذا وصف فادي الجمل (6 سنوات) طبيعة عمله كاشفاً أن رجالاً قريبين من المرشح علموه إياه. وعن الثمن الذي ينتظره فادي لقاء هذا العمل، قال ببراءة والسعادة ملأت محياه: «أخبرني والدي بأنه سيشتري لي شيبس وبسكويت». وزاد أنه ومنذ أيام لم يأكل وأخوته الثلاثة الذين يكبرونه وعملوا معه في توزيع المنشورات الانتخابية «البسكويت أو الملبس»، والتي يحبها كثيراً. وتمنى لو تكون الانتخابات طوال أيام العام، لكي يتمكّن وإخوته من شراء ما يرغبون به من «الأشياء الزاكية»، كما قول. وبالقرب من فادي كان جاره هاني حتمل (7 سنوات) يحاول التحدّث إلينا، معرباً عن شعوره بالسعادة الغامرة انه سيتلقى 3 دنانير بعد ساعات، على رغم معاناته من التعب والغثيان نتيجة وقوفه تحت أشعة الشمس أمام بوابة مركز الإقتراع المجاور لمنزله منذ ساعات الصباح الأولى. وذكر أنه سيشتري ما يحلو له من «الاشياء الزاكية» التي طالما نظر إليها يومياً وهو يرافق والده إلى «دكانة أبو علي» من دون أن يستطيع الحصول عليها. وعن المتاعب أو الأخطار التي واجهها هاني أثناء «عمله»، أكّد أحد الناخبين ويدعى مسلم الحروب، أنه «كاد أن يتعرّض للدهس عندما شاهدني أقترب من مركز الإقتراع، إذ سارع ليعطيني بطاقة المرشح الذي استأجره طالباً مني التصويت له. وحدها العناية الإلهية نجّته ومسارعتي في إبعاده من أمام المركبة كانت تمر في الشارع». وأكد الحروب أن تشغيل الأطفال أمام مراكز الاقتراع على طرق سريعة هو جريمة بحق هؤلاء الذين لا يعرفون حماية أنفسهم من خطر حوادث الدهس. وقال إن الناخب شعر بالشفقة عليهم والحنق على المرشح الذي شغّلهم، وهو ما ارتد عكسياً عليه من قِبل كثر فضلوا عدم التصويت له. من الناحية القانونية، عرّفت منظمة العمل الدولية الأطفال بأنهم «أي شخص، ذكراً كان أم أنثى لم يكمل الثامنة عشرة من عمره». ويعتبر الأردن من أوائل الدول التي صادقت على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الاطفال من الإستغلال الإقتصادي. وهي اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولان التابعان لها والاتفاقيات التابعة لمنظمة العمل الدولية (اتفاقية الحد الأدنى لسن الاستخدام الرقم 138، واتفاقية أسوأ أشكال عمل الأطفال 182). وتعتبر التشريعات الوطنية المتعلقة بمكافحة عمل الأطفال منسجمة تماماً مع الاتفاقيات الدولية. وينص القانون الأردني (المادة 73) من قانون العمل الرقم (8) ساري المفعول، على «مراعاة الأحكام المتعلّقة بالتدريب المهني. فلا يجوز بأي حال تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشرة من عمره بأي صورة من الصور. وتنص المادة 74 على أنه «لا يجوز تشغيل الحدث الذي لم يكمل الثامنة عشرة من عمره في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة». وتحظّر المادة 75 تشغيل الحدث لأكثر من ست ساعات في اليوم الواحد، على أن يعطى فترة للراحة لا تقل عن ساعة واحدة بعد عمل أربع ساعات متواصلة، وألا يعمل بين الساعة الثامنة مساء والسادسة صباحاً. كما يحظّر تشغيل الحدث في أيام الأعياد الدينية والعطل الرسمية وأيام العطل الأسبوعية. وعلى رغم ذلك، يعمل عدد كبير من الأطفال في ظروف صعبة. ويقّدر عددهم وفق تقديرات وزارة العمل بـ50 ألف طفل.