الأمثال التي يتفق عليها الناس في مجتمع ما، هي لسان حالهم الذي يعبر عن حصاد تجاربهم، وهي خلاصة قناعتهم، ومختصر حكمتهم.. ولسانهم الحاضر في مواقفهم.. ولا يخلو مجتمع بشري منها، وهي غالبا تُرسل بالكلام المحكي الدارج على ألسنتهم، لتعبيرها العفوي، البالغ مكامن الحس فيهم، وقد تفقد شيئا من معناها، أو يبهت تأثيرها إن تغير لفظها، أو ربما لا يبلغ رمزها موقع الرمية منها..! لذا تُطلق الأمثال كما هو لفظها، وعفوية تركيبها، مهما ظهر لفظها، أو اختفى، ومهما تهذب لفظها أو فحش....! وهي في كل الموضوعات، وشتى المقاصد.. المثل نبض الجمهور، ولسانه الدارج بنظرته الفاحصة، للحالة المنتقاة..! فيها الحكمة، وفيها النصح، وفيها النقد، وفيها اللمز. وفيها الإنكار، وفيها الدعابة والطرفة..! وأوقعها ما عرى الحقيقة، ووقف على هاجس..! من الأمثال الشائعة في تراثنا على سبيل الاستشهاد: « إذا زاد الأمر عن حده انقلب ضده»..! فيقال : « إذا زاد الضحك عن حده انقلب ضده»، ويذهبون أحيانا للتشاؤم إن كانت الحالة ضحكا متواصلا، ..!! هذا المثل يحضر في الحالتين ويكون محور استشهاد، ورادعا عن التمادي في حالة الضحك لئلا ينقلب إلى بكاء، وقد يتقاطع هذا المثل مع قاعدة فقهية تدعو إلى حالة سلوكية تركيبها اللفظي: «لا إفراط ولا تفريط»، أي لا زيادة فتندم، ولا تماديا فتهلك...!! وهذا التخريج يوافق، ويتماهى في الاطراد مع معناه قانون الطبيعة الذي كشفته التجارب العلمية وأقرته حالة الفعل بأن: «لكل فعل رد فعلٍ مساويا له، ومضادا في الاتجاه» !! لكن الإنسان جبلت بشريته على الإفراط تقوده إليه النفس، ولا يكبحها إلا ضابط ذو أركان. هذا الضابط هو الحذر من أمارة النفس، واليقين في رغبة النجاة، والثقة في مآل الحصاد، إذ كل تفريط في جانبي فعل ما يقوم به الإنسان تكون نتائجه خسارة، أكثر منها ربحا..! فالذي يفعل، هو دائما في موضع مواجهة جبرية مع متغيرات الوقت. والوقت انسيابي لا ما يوقفه عند حالة ثابتة على وجه من الجانبين البتة ..!! إن ضوابط القاعدة «لا إفراط ولا تفريط « إن يطبقها المرء بعقله الذي يدرك، وبعلمه الذي يحصد، وبمعرفته التي يكوِّن، فإنه يمكِّن قدرته من وضع الحد بين حالة سلوكية، وضدها بأفعاله، فيتلافى أن ينقلب به ظهر المجن على وجه من وجهيها، إذ هو يتوقع أن ما زاد أمر «عن حده إلا انقلب ضده» !! وبما أن هذا المثل معروف، ومتداول في تراثنا الثقافي، حيث الثقافة القيمية في هذا المجتمع تشكل تصرف، وسلوك الأفراد فيه، فليت من يزيد من الناس في أفعال الاختلاف، فالخصومة وجرَّاهما، وهم يعون أنه إذا ما تحقق الوجه الآخر لحالة التمادي في الاختلاف، وركوب موجات الغضب، والحنق، فالكره والترصد، فالإيقاع والحوك، فلسوف تعود مغبتها عليهم المفحشين فيها، المولعين بها، الظانين بأنفسهم نصرا، يضحكون ولا يبالون، غير أن ردة فعلها قد لا تكون فرحا، بل قد تكون ترحا، لأن الفعل أساسا في هذه الحالة استدعاء، واستلهامٌ لسالب موقف، وعتمة حالة، أي إفراط، وتفريط، فانقلاب إلى ردِّ فعل ِ الحالةِ إلى الاتجاه المضاد انحدارا، وترديا، لأن الاختلاف مغبة..، أما التصالح، أو التجاوز فنبلٌ في كل الاتجاهات.. وجهه الجميل ترفَّعٌ، واعتدالٌ، أي ثبات لا انقلاب معه، ولا تفريط..!!