تاريخنا الاجتماعي زاخر بالشخصيات التي حفرت في الصخر طويلا وخاضت الصعاب وعرفت البؤس والشقاء قبل أن تصبح نماذج يشار إليها بالبنان في عوالم المال والأعمال والتجارة والصناعة. وإذا ما حصرنا الأمر في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية فإن لواء هذه الشخصيات العصامية معقود للوجيه عبدالله بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بوبشيـت الشهـير بـ عبدالله فؤاد. ينتمي عبدالله فؤاد إلى أسرة البوبشيت المعروفة التي لها امتدادات ومصاهرات في البحرين وقطر. وتمثل تجربته ومسيرته الطويلة في الحياة درسا لابد من الإحاطة بتفاصيلها، خصوصا وأنه لم يلد وفي فمه ملعقة من ذهب، بل على العكس تماما. فقد ولد في حوالي سنة 1925 المعروفة في الخليـج بـسنة الطبعة إشارة إلى العاصفة البحرية الهوجاء التي ضربت الخليج في صيف تلك السنة، فكان من نتائجها غرق العديد من أساطيل الغوص وصيد اللؤلؤ بمن فيها من النواخذة والغاصة والعمال الذين قضوا نحبهم وهم نيام في مراكبهم. وهكذا أبصر الرجل النور في حقبة كئيبة مظلمة انتشر فيها الحزن والشقاء معطوفا على الفقر وقلة الحيلة. أما مكان ميلاده فقد كان داخل إحدى البرستيات على ساحل مدينة الدمام التي لم تكن وقتذاك سوى بلدة صغيرة لا يقطنها سوى مائتا شخص، معظمهم من الصيادين الدواسر الذين كانوا قد هاجروا إلى هناك من قرية البديع البحرينية. يخبرنا عبدالله فؤاد في محاضرة طويلة عن تجربته ألقاها في 2006 أمام أكثر من ثلاثمائة طالب في جامعة الملك فهد الاقتصادية، ونشرت تفاصيلها صحيفة الاقتصادية السعودية (16/4/2006) أنه ولد في بيت جدته بالدمام، وأنه تسبب وهو طفل صغير لم يكمل العام ونصف العام في خلاف بين والده المُجهد قليل الصبر ووالدته التي كانت تحمل فوق أكتافها أعباء أسرية كبيرة، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى وقوع الطلاق بينهما وهو في سن الثالثة. وعلى إثر الطلاق حملت الأم وليدها ورحلت به إلى عند والدها الشيخ يوسف بن خالد أبوبشيت المقيم في قرية الجسرة البحرينية. ومما لاشك فيه أن طلاق والديه كان له وقع مؤلم عليه لم يخفف منه سوى وجود والدته الصبورة ووالدها بجانبه. فعندما بلغ سن السادسة اي سن الالتحاق بالكتاتيب لم يجد من يقوده إلى هناك سوى والدته وجده لأمه، وتكرر ذلك حينما أصيب بمرض الجدري وهو في الكتـّاب، فانفض عنه أقرانه خوفاً من العدوى ولم يجد من يحنو عليه ويشافيه سوى والدته وجده، وتكرر المشهد للمرة الثالثة حينما وجد نفسه وحيدا دون أب خلال إحتفاله مع أقرانه وذويهم بختم القرآن. غير أن الله بعث له من يعوضه حنان الأب ويسد مكان والده البيولوجي. ففي 1934، أي حينما كان في سن التاسعة، اقترنت والدته بعبدالله بن جاسم أبو بشيت الشهير بعبدالله فؤاد، فانتقل معهما للعيش في منزل واحد في الخبر. وقد ساهمت معيشته تحت سقف واحد مع عمه (زوج والدته) في تعلق كل منهما بالآخر، واهتمام العم بابن زوجته، وتشجيعه على التعليم. ولعل من دلائل حرصه على أن يتعلم الصبي ما ينفعه في حياته لاحقا هو اتفاقه مع موظف من موظفي شركة أرامكو الإمريكيين أن يخدم الصبي في منزله مجاناً مقابل أن تقوم زوجته بتعليمه اللغة الانجليزية في أوقات فراغها. وفي هذا السياق يخبرنا الرجل (بتصرف): كلفتني سيدة المنزل بالتنظيف وغسل الصحون مقابل أن تعلمني الانجليزية، وكانت سيدة طيبة شعرت بعطفها عليّ، لكن الأمر لم يطل. فبعد أربعة أشهر انتهى عقد الموظف الأمريكي مع أرامكو، واضطرت العائلة للرحيل إلى بلادهما، فحزنت حزناً شديدا. لكن ما خفف حزنه بعض الشيء أن عمه كافأه على اجتهاده بدراجة اشتراها له من البحرين، علما بأن اقتناء الدراجات في تلك الأيام كان ترفا لا يحظى به الكثيرون. كان عبدالله وقتها قد تعلم مبادئ اللغة الانجليزية الضرورية للعمل في شركة أرامكو التي كان الالتحاق بها، بالنسبة له، حلما صعب المنال. فبعد اسبوع من تركه العمل لدى العائلة الامريكية اصطحبه عمه إلى دائرة شؤون الموظفين في أرامكو، وترجى المسؤولين فيها أن يوظفوه في أي وظيفة متاحة حتى لو كانت وظيفة فراش، كي يتقن الإنجليزية بصورة أشمل. وبالفعل قامت أرامكو بتوظيفه كمراسل ينقل البريد والأوراق والملفات من مكتب إلى آخر، مقابل أقل من ريال واحد يوميا، وقد أبلى في هذه الوظيفة المتواضعة بلاءً حسناً نال بسببه ثناء رؤسائه، وهو ما جعلهم يعينونه في وظيفة مأمور سنترال. وقتها، أي في سبتمبر 1939، كانت الحرب العالمية الثانية قد بدأت، وكانت أرامكو كغيرها من شركات النفط الغربية العاملة في المنطقة قلقة من إحتمال تعرض منشآتها لغارات جوية من قبل طائرات دول المحور، الأمر الذي قررت معه تطبيق نظام صفارات الإنذار وتوزيع نشرات تحذيرية على منتسبيها للتصرف عند سماع دويها باللجوء إلى مخابئ معينة. هنا حدث الخطأ القاتل الذي لم يتسبب في فصل الرجل من عمله في أرامكو فقط، بل تسبب أيضا في وضع إشارة على ملفه الوظيفي تقول يمنع من العمل في أرامكو مرة أخرى!. دعونا نقرأ تفاصيل ما حدث على لسان صاحبه (بتصرف): بدأتُ نوبة عملي كمأمور سنترال في تمام الساعة 11 ليلا، وكان من المفترض أن تستمر حتى السابعة صباحا. كنا ثلاثة أشخاص تم تقسيم العمل بيننا على ثلاث ورديات، بحيث يعمل كل واحد منا ثلاث ساعات. استلمتُ ورديتي، وبمجرد أنْ وضعتُ السماعة على أذني، أخذتُ كتاب أرسين لوبين، وبدأتُ القراءة نظرا لعدم وجود اتصالات في تلك الفترة المتأخرة من الليل. إلا أنني سرعان ما شعرت بالنعاس وقررتُ أن أنام في مكاني. ولسوء حظي وضعتُ ذراعي على صافرة الإنذار، فانطلق دويها في كل أرجاء المكان، مما جعل الناس ينطلقون إلى المخابئ، وقتها شعرتُ كأن حائطاً قد سقط فجأة فوق رأسي، لكن الحائط لم يكن سوى لطمة قوية من رئيسنا الأمريكي الذي تناول سماعة السنترال وأخذ يطمئن المتصلين. بعد فصله من عمله في أرامكو بسبب الإهمال، قرر عمه أنْ يرسله إلى والده في البحرين، حيث دخل المدارس النظامية مع أخويه سعود ومحمد. وفي البحرين طلب أيضا من والده أنْ يجد له عملا، فقام الأخير بتوسيط ابن عمه عيسى بوبشيت الذي كان يعمل حارسا في منزل المستشار تشالرز بلغريف، ليجد له عملا معه. وبالفعل توجه فؤاد إلى منزل بلغريف لمقابلة المسؤول عن التوظيف والذي سر من إجاباته على الأسئلة بلغة إنجليزية سليمة ووافق على توظيفه، فكان بذلك العربي الوحيد الذي يعمل داخل منزل المستشار وقتذاك. لكن حظه العاثر كان له بالمرصاد مرة أخرى، فقد تملكت الغيرة قلوب بعض العاملين معه فدبروا له مكائد تسببت في فصله من عمله. بعد ذلك، وتحديدا في 1943، توجه به والده إلى شركة نفط البحرين (بابكو)، بحثا له عن عمل، فتم تعيينه بعد الاختبار براتب شهري قدره 45 روبية، غير أنّ الحظ العاثر ظل يلاحقه من مكان إلى آخر. ففي إحدى الليالي كان مناوباً في الشركة، فشعر بالتعب في آخر الليل، وذهب إلى مكتب رئيس الشركة حيث غلبه النعاس ونام هناك. وفي الصباح تم إيقافه من قبل رجال الأمن في بابكو بتهمة سرقة قلم مدير الشركة الذي اتضح بعد ثلاثة أيام أن صاحبه نسيه في جيب أحد معاطفه. مع هذه الحادثة التي مست كرامته قرر فؤاد أن يستقيل من وظيفته، لكن ظروفه المعيشية الصعبة أجبرته أن يقبل اعتذار مدير بابكو الذي قرر ترضيته بتعيينه في وظيفة قارئ عدادات في مصافي النفط. وبعد فترة من هذه الحادثة، تلقى فؤاد وهو في البحرين خبر وفاة عمه عبدالله فؤاد (زوج والدته وصاحب الأفضال الكثيرة عليه)، فقرر الاستقالة من وظيفته في بابكو والعودة إلى الخبر ليكون إلى جوار والدته المترملة التي قررت إطلاق اسم عبدالله فؤاد عليه تيمنا بالرجل الذي وقف معها في الشدائد وقام بتربية وليدها. لم تطل إقامة الرجل في الخبر، إذ سرعان ما عاد إلى البحرين بقصد الزواج، وأثناء ذلك عمل لفترة وجيزة في إحدى الشركات الخاصة، قبل أن يشد رحاله إلى الخبر مجددا هذه المرة وفقه الله في العثور على وظيفة طابع آلة كاتبة في إحدى الدوائر الحكومية السعودية، لكن هذه الوظيفة لم تكن لتلبي طموحاته فهجرها. كانت خطوته التالية هو الذهاب إلى أرامكو علـّه يجد فيها عملا. وهناك تم إختباره، وأعجب الممتحن بلغته الإنجليزية، ولحسن حظه لم يعثر الأخير على ملفه السابق المحتوي على قرار منعه من العمل في أرامكو. فتقرر توظيفه براتب 560 ريالاً في الشهر. وبالرغم من تدرجه في وظائف أرامكو إلى أن وصل في منتصف 1946 إلى وظيفة رئيس مكتب شؤون الموظفين، وتزايد أجره حتى بلغ 750 ريالاً، إلا أن الرجل شعر أنّ الوظيفة لا تتوافق مع طموحاته فقرر الاستقالة ليجرب حظه في العمل الخاص. وكان حينئذ يفكر في العمل في مجال المقاولات، وحينما أفصح عن ذلك لرئيسه الإمريكي في 1947، حذره الأخير من ذلك بحجة عدم إلمامه بمتطلبات هذا المجال، ناهيك عن عدم امتلاكه لرأس مال كاف. على أنّ إلحاحه وتمسكه بطموحه جعلا رئيسه يعرض الأمر على الإدارة العليا التي عرضت عليه مقاولة غسيل سيارات ارامكو في منطقة رحيمة بشرط البقاء في وظيفته. قبل عبدالله العرض واستقدم 12 عاملا بحرينيا للمشروع (علما بأنه في كل أعماله اللاحقة سيعتمد على كفاءات إدارية وعلمية بحرينية)، وحقق من ورائه بعض الأرباح التي أنفق منها 9 آلاف ريال لشراء أول سيارة في حياته وكانت من نوع بدفورد. لكنه عاد يهدد رئيسه الأمريكي بترك الوظيفة، ففاجأه الأخير بامكانية ترسية مشروع جديد عليه في فرضة رأس تنورة بقيمة 17 ألف ريال، إنْ وافق على التخلي عن فكرة الاستقالة. فرفض الرجل هذا الشرط وقام بتقديم إستقالته من أرامكو في 1948. في هذا الأثناء تم ترشيحه عبر مكتب المقاولين بالشركة في تنفيذ عقود أعمال مشروع خط الأنابيب عبر البلاد العربية (التابلاين)، فقام بالعمل ليل نهار من أجل أن يثبت كفاءته ويرفع اسمه في دنيا المقاولات، لكن هذه الفترة شهدت أيضا تعرضه لأول عملية نصب. وتفاصيل الحكاية أنه كلف أحد موظفيه الآسيويين بالذهاب إلى الخبر لصرف شيك بمبلغ 18 ألف ريال من أجل تسديد رواتب العمال، ولما كانت العملة المتداولة وقتذاك هي الريالات الفضية فقد أرسل مع موظفه سيارة نقل مع أكياس كثيرة لتعبئة العملة. لكن الموظف الآسيوي كان قد خطط مسبقا لسحب المبلغ وتحويله إلى روبيات والهرب بها إلى البحرين. وليت الامر توقف عند ذلك، لكنه تعداه إلى ما هو أخطر بكثير. فقد تعرض إلى خسائر كبيرة كنتيجة لمطالبات العمال الذين عملوا معه في مشروع التابلاين بحقوقهم، والتي كانت مثبتة في ايصالات منحهم إياها. ولما كانت الاموال الموجودة في حوزته وقتذاك لا تفي بتغطية المطلوب منه، لم يجد بدا من بيع مكتب لترجمة العقود لصالح شركة أرامكو كان قد أسسه في الدمام في 1950، وبيع ورشة كبيرة كان يمتلكها بثمن بخس لم يتجاوز 4 آلاف ريال، إضافة إلى بيع منزل كانت جدته المرحومة مريم بنت كلبان تملكه في الدمام بقيمة 23 ألف ريال. الإنطلاقة الحقيقية له في عالم المقاولات كانت في 1954 حينما حصل من شركة إمريكية صغيرة على عقد لتنفيذ بعض الأعمال من الباطن في مطار الظهران. وقتها كان بحاجة إلى 10 آلاف ريال اسبوعيا للوفاء بالتزاماته، ولم يكن المبلغ متوفرا لديه، مما جعله يلجأ إلى دعوة التاجرين عبدالعزيز وسعد المعجل لمشاركته في المشروع، فكانت النتيجة تحسن أوضاعه المالية تدريجيا وتحقيقه أرباح صافية بلغت 10 آلاف ريال. وفي العام التالي حصل على مقاولة من المؤسسة العامة للسكك الحديدية لبناء سبعة أبراج سكنية قيمة كل منها 35 ألف ريال. وهو لئن نجح في تنفيذ هذا المشروع بمساعدة شركة إيطالية، وحقق من ورائه ربحاً صافياً معتبراً، فإنه لم يصل إلى هذه النتيجة إلا بعد معاناة شديدة من جراء تراكم الديون عليه، وتوقف العمل أكثر من مرة، واضطراره إلى خوض معارك مع مؤسسة السكك الحديدية لإعادة جدولة المشروع. بعد ذلك كرت سبحة حصوله على المناقصات. ففي 1960 حصل على مقاولة من أرامكو لبناء ثلاث مدارس في كل من الخبر والدمام ورحيمة، انجزها كلها باتقان في منتصف 1962. وفي 1962 التقى بالمرحوم علي التميمي خلال زيارته لمكاتب أرامكو للاطلاع على المناقصات المعروضة، فاتفقا أنْ يتشاركا في مشاريع المقاولات معا من خلال شركة أطلقا عليها اسم تميمي وفؤاد، وكانت بداية عملهما المشترك تنفيذ مشروع مد خط أنابيب النفط في حقل حرض. والحقيقة أن هذه الشركة كانت فأل خير عليه من بعد عثراته السابقة. فقد نمت نمواً كبيراً ومتواصلاً واقتحمت مجالات جديدة مثل الاستثمار في أسهم البنوك، والصناعة والفندقة وأسواق الأطعمة المركزية (السوبرماركت)، وبما جعل عدد العاملين لديها يزيد على 7000 شخص ينتمون إلى 22 بلداً. وبينما كانت شركة تميمي وفؤاد تنمو بثبات كان عبدالله فؤاد يعمل في الوقت نفسه على الاستثمار منفردا وفق اتفاق أبرمه مع شريكه التميمي يتيح لكل منهما ذلك. وهكذا راحت مؤسسة عبدالله فؤاد تتوسع ويتفرع منها مؤسسات أخرى، لعل أهمها مؤسسة فؤاد عبدالله فؤاد (فافكو) التي تأسست في عام 1971، وعملت في مجال المقاولات في بدايتها، فنفذت مشروعات ضخمة لصالح أرامكو وعدداً من الشركات السعودية الكبرى، كما نفذت لاحقاً مبنى مستشفى عبدالله فؤاد وعدداً من المصانع والمجمعات السكنية. وقد آلت إدارة فافكو في منتصف السبعينات إلى إبنه البكر فؤاد خريج الجامعة الأمريكية في بيروت، والذي كان زميلا لنا في مرحلة الدراسة الجامعية وعــُرف عنه الطيبة والتواضع والأخلاق الرفيعة والنشاط الاجتماعي، لكنه غادر دنيانا في 2008 وهو في ريعان الشباب بسبب متاعب في القلب. على أن عبدالله فؤاد لم ينسَ القيام باستثمارات مشتركة مع رجال آعمال آخرين بالتزامن مع شراكته مع علي التميمي واستثماراته المنفردة. فقد أسس مع عبدالله محمد النعيمي شركة الصناعات الوطنية التي قامت بإمداد شركات عديدة (مثل أرامكو وبترومين والإسمنت السعودي البحريني) بما يلزملها، ثم قام بتأسيس شركة فابكو مع عبدالله بوسبيت لصناعة الورق وأنابيب البلاستيك. لكنه يعتقد أن أفضل قرار استثماري اتخذه هو إنشاء مستشفى عبدالله فؤاد في الدمام (افتتح رسمياً في 1980 بطاقة 310 أسرة وصـُنف ضمن مستشفيات الدرجة الأولى) لأن هذا الكيان الطبي ساهم في تقديم خدمات متميزة لأهله وناسه في المنطقة الشرقية، إلى درجة أنّ أبناء الحي الذي يقع المستشفى في نطاقه أطلقوا على حيهم اسم حي عبدالله فؤاد. اعتقد الرجل أنه ودع النحس والحظ العاثر نهائيا بعد النجاحات سالفة الذكر، لكنه كان مخطئاً. ففي أواخر 1981 تعرضت الأسواق العالمية لركود اقتصادي مما دفع البنوك الأجنبية في البحرين بمطالبته بسداد القروض والتسهيلات التي حصل عليها، وكانت بمبلغ 800 مليون ريال. وإزاء هذه الورطة غير المتوقعه راح عبدالله فؤاد يسابق الزمن من أجل حصر كل ممتلكاته واستثماراته الفردية أو المشتركة من شركات وعقارات وأسهم في البنوك المحلية والأجنبية، كما قام في الوقت نفسه بعقد اجتماعات مع الدائنين للنظر في تسوية ملائمة للطرفين. غير أن الخطوة الأجمل التي قام بها بالتزامن والتي تدل على نقاء معدنه ووفائه لاصدقائه كانت طلبه من علي التميمي أن يستحوذ على حصته في شركة تميمي وفؤاد كي لا يستولي عليها الدائنون. لكن ماذا حدث بعد أن توصل الرجل إلى تسوية مع دائنيه؟ دعونا نسمع ما قاله بنفسه عن هذه المرحلة الحرجة (بتصرف): بعد أنْ تحررتُ من الديون، بدأت الدماء تسري من جديد في جسد أعمالي وأخذت شركاتي تنمو محققة أرباحاً جيدة، ورحتُ أركز وأضع يدي على أعمالي بشكل أكبر، حيث أعدتُ هيكلة شركة فافكو والشركة السعودية للإنشاءات الكهربائية والميكانيكية (بتكن)، واستحدث إبني فؤاد للمرة الأولى في السعودية مدن الترفيه المعروفة باسمتوي تاون. من الحوادث التي لا ينساها الرجل قصة إحتيال تعرض لها عندما سافر في 1975 إلى الفلبين، حيث قابل مدير شركة بترولية، فعرض الأخير عليه شراء أسهم في شركته بمبلغ مليون دولار على أن يحول إليه المبلغ بحوالة بنكية، لكن اتضح بعد عامين كذب مدير الشركة وأنه كان يحاول إدخال رجل أعمال سعودي في شركته بهدف رفع أسعار أسهمها. واليوم يجلس عبدالله فؤاد على رأس مجموعة عبدالله فؤاد القابضة التي تضم أقساما وإدارات مختصة بالصناعة، والتجارة، والنفط والغاز والبتروكيماويات، والعقارات، وتكنولوجيا المعلومات والبرمجيات والالكترونيات، والأمن الصناعي والسلامة، والفندقة والترفيه والسفر، والمرافق السكنية، والمزادات، واللوازم الطبية، والمطاط، والمقاولات والانشاءات، والخدمات البحرية والجيوتقنية، والمسح الزلزالي، والاتصالات السلكية واللاسلكية، من الأعمال التي لا تنسى لعبدالله فؤاد مشروعه الخيري المميز المعروف باسم إطعام، فهو شريك أساسي ومحوري في هذا العمل الإنساني الاجتماعي الذي يخدم الفقراء والمحتاجين بطريقة غير تقليدية.