إلى قرية «الرقعة» المندثرة، انتقلت «الوسط»، لتعاين مزارعَ تقع ضمن نطاق الحزام الأخضر، وآثاراً، ممثلة في مسجد وحسينية، باتت تحت رحمة الجرّافات. قرية كانت ذات يوم، عامرةً بأهلها ومزارعها ومعالمها، قبل أن يقرر قاطنوها هجرتها (قبل 60 عاماً تقريباً)، إلى داخل قرية كرانة، وفقاً لما يوثقه المواطن السبعيني سيدعيسى الرقعاوي. «بلدي الشمالية» يغط في سباته... وحماة البيئة غائبون«الوسط» في «الرقعة»: حُزام أخضر ومسجد تحت رحمة الجرّافات... والاستغاثات بـ «البيئة» و«الجعفرية» و«الثقافة» و«الأهالي» الرقعة، كرانة - محمد العلوي إلى قرية «الرقعة» المندثرة، انتقلت «الوسط»، لتعاين مزارع تقع ضمن نطاق الحزام الأخضر، وآثاراً، ممثلة في مسجد وحسينية، باتت تحت رحمة الجرافات. قرية كانت ذات يوم، عامرةً بأهلها ومزارعها ومعالمها، قبل أن يقرر قاطنوها هجرتها (قبل 60 عاماً تقريباً)، إلى داخل قرية كرانة، وفقاً لما يوثقه المواطن السبعيني سيدعيسى الرقعاوي. التقته «الوسط»، أمس السبت (24 سبتمبر/ أيلول 2016) للحديث عن أيامه الخوالي، فكان الحديث وكانت المطالبات «أوجه ندائي واستغاثتي من هنا، من وسط مسجد وحسينية ومزارع الرقعة، إلى الجهات الآتية: إدارة الأوقاف الجعفرية، هيئة البحرين للثقافة والآثار، جمعية كرانة الخيرية، وعموم أهالي المنطقة، داعياً إياهم للتحرك العاجل، لإنقاذ ما تبقى من خضرة وآثار وأماكن مقدسة». ومنذ أيام، وشهية الجرافات لا تتوقف. تستمر في التهام النخيل الباسقات و»فروخ» اللوز الذي يمتاز بصنفه الفريد. والرقعة التي تعانق خضرتها، زرقة البحر، منطقة قديمة جاء ذكرها في العديد من المصادر التاريخية، من بين ذلك ما ذكره المؤرخ الانجليزي لوريمر العام 1904، في كتابه الشهير «دليل الخليج»: «الرقعة تقع على مسافة ثلاثة أرباع الميل غرب قلعة عجاج (قلعة البحرين)، وتحوي 10 بيوت للبحارنة من الغواصين والمزارعين، وهي محاطة ببساتين النخيل وهي مع قرية الجبيلات تمتلكان 23 قارباً من نوع شوعي وسنبوك وتستخدم للغوص على اللؤلؤ، وفيها 18 حماراً و3 بقرات». بجانب ذلك، كان لوريمر يوثق لحالة «الرقعة» زراعيّاً، بقوله إنها تحوي 8 آلاف نخلة وشجرة. في الرقعة: معركة الهرامزة والعثمانيين لا تتوقف أهمية قرية الرقعة عند حدود نخيلها وأشجارها. يتحدث الباحث جاسم آل عباس، ليقول «ذكرت المصادر أن قرية الرقعة كانت موقعاً لمعركة تاريخية وقعت قبل 5 قرون بين جيش الهرامزة والجيش العثماني، وقد انتصر الهرامزة على العثمانيين الأتراك، ويذكر أن قتلى الأتراك يقارب خمسمئة قتيل وكانوا حينها يطمحون إلى السيطرة على جزيرة البحرين». وبحكم عمرها الممتد، ضمت قرية الرقعة معالم اندثر بعضها فيما لايزال بعضها الآخر يقاوم التلاشي، من بين ذلك مسجدها الذي استخدم أيضاً كحسينية كما يشير إلى ذلك الأهالي. بشأن ذلك، يقول الباحث آل عباس: «الأثر الموجود يعود إلى مسجد، ففي السابق وقبل إنشاء المآتم، كانت المآتم تقام في المساجد، تماماً كما هو الحال مع مسجد البجوية، الذي هو مسجد ومأتم في الوقت ذاته»، مضيفاً «يحتمل وجود مسجد آخر في قرية الرقعة». عطفاً على ذلك، كانت النداءات توجه ناحية هيئة البحرين للثقافة والآثار، داعية إياها للنظر بعين الأهمية إلى قرية الرقعة بوصفها قرية أثرية، تتعرض حاليّاً للإزالة التامة دون تنقيب. يقول آل عباس: «المعروف أن في البحرين قرى قامت على مزارع قديمة، ومزارع قديمة قامت على قرى أقدم منها، وعليه فإن الحديث عن «الرقعة» هو حديث عن منطقة قديمة قد يخفي باطنها آثاراً، ويعزز من ذلك الحدث المهم والتاريخي الذي وقع فيها (الحرب بين الهرامزة والجيش العثماني)، وإلى جانب ذلك نحن نتحدث عن قرية زراعية قد تكون قد قامت على قرية قديمة على اعتبار أن المنطقة تعود إلى حقبة دلمون وما قبل، فهي منطقة زراعية تتوافر فيها المياه ما يرجح أن الاستيطان فيها قديم جدّاً، وعليه فإن ما يحدث للرقعة تجاوزٌ متشعب الجوانب، ما يؤكد الحاجة إلى تعاون جهات عدة في ما يخص حمايتها كثروة وطنية من أية تعديات». علاوةً على كل ذلك، تعلقت الاستغاثات بالهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية، وشئون الزراعة بوزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني، حيث الإشارة إلى غياب رسمي تام، للجهات المعنية بحماية الحزام الأخضر في مملكة البحرين، بما في ذلك مجلس بلدي الشمالية. سيدعيسى الرقعاوي: أنا ابن الرقعة هو ابن قرية الرقعة، فيها كانت نشأته حتى بلوغه سن الخامسة عشرة. حينها قرر أهل الرقعة مغادرتها للانتقال إلى داخل قرية كرانة. يقول الرقعاوي، والقرية من خلفه، فيما منزلهم الذي كان من سعف النخيل لايزال في موقعه القريب من المسجد: «كانت قرية الرقعة مأهولة بسكانها، ولم تكن زراعية فقط، ومع شح المياه بدأ أهلها بهجرتها والانتقال إلى قرية كرانة، فيما كان آخر البيوت التي انتقلت، بيتنا، وكان ذلك العام 1946م». أنقذوا مسجد الرقعة الأثري كومة رمال لم تخف بعد حجارة هي كل ما تبقى من أثر لمسجد وحسينية الرقعة. عاينته «الوسط» لتقف على حجم الهجران الأهلي للمكان المقدس. حشائش نبتت في الموقع الذي بات تلة رمال مرتفعة، وأرض باتت تحوي قمامة المنطقة، دون ان يفلح كل ذلك في إخفاء وجه الموقع المقدس بالكامل. مسجد لم يسجل رسميّاً بعد، يتحدث عنه سيدعيسى الرقعاوي بالقول: «هنا كنا نصلي ونستمع إلى أحاديث الخطباء الحسينيين. من بينهم ملا عطية الجمري، وسيد محمد صالح العدناني، وملا علي بن رضي». وأضاف «بني المسجد/ الحسينية، والذي تبلغ مساحته 30 متراً مربعاً، من الطين والجص والحجارة، أما سقفه فمن الجندل، ومن بعده (جهة الغرب) يمتد طريق إلى البحر، والسيارات تعبر من خلاله، أما جهة الشرق، فطريق ثان يتخذه المشاية ممرّاً لهم». وتابع «حتى قبل 20 سنة مضت، كانت معالم المسجد/ الحسينية لاتزال موجودة قبل أن يصبح كومة رمال كما هو عليه حاليّاً». وعن بيوت قرية الرقعة التي لا يعلم سيد عيسى سبب تسميتها، قال: «كانت البيوت مشيدة من سعف النخيل (أعشاش)، عدا بيت مبارك المبني من الحجارة». لوز وبرتقال ومانغو وجيكو على رغم اندثارها، لايزال الأهالي يطلقون على بقعتها باسم «الرقعة»، مستذكرين ثمار مزارعها، متعددة الأصناف. يتحدث عن ذلك، الحاج عبدالله الكراني، المزارع الذي استوقفته «الوسط»، وعرق العمل يتصبب من جبينه، ليقول: «المنطقة في السابق كانت تعيش على الزراعة والبحر، وكانت تمتلئ بالمزارع بنخيلها، واليوم لم تتبق إلا أعداد قليلة منها». وأضاف «تمتاز مزارع الرقعة بلوزها الممتاز، الاسكندراني والأحمر، كما تمتاز بفواكه متعددة من بينها الأترج والرمان والمانغو والجيكو والتمور والبرتقال والخوخ والمشمش، فيما كانت أنهار المياه تشق تربتها وهي تستقي من عين فضل التي طمرت هي الأخرى وتقع وسط قرية كرانة». «اليوم، باتت مزارع «الرقعة» وكرانة، تلفظ أنفاسها الأخيرة. حوائط الأسمنت تأتي تباعاً على ثروة زراعية، تكفي البحرين ومحيطها»، يقول الكراني ويتأوه. النخيل الباسقات في قرية الرقعة المندثرة سيدعيسى الرقعاوي متحدثاً إلى «الوسط»