د. عبدالرحمن النملة بين كافة الأوطان قُدِّر لهذا الوطن أن يحتل موقعًا خاصًا، ومرتبة فريدة، اقتضت أن يسلك طريقًا طويلا غير ممهد، قُوبِل خلاله بتحديات جسام، وعقبات كؤود، فأبَى هذا الوطن إلا أن يحقق هذه المنزلة الرفيعة، والمكانة العظيمة، عبر خطوات متلاحقة في طريق طويل اصطفت فيه النجاحات، وعلت فيه المنجزات، فكانت السمة الدائمة لطريق الوطن هي النجاح والتفرد. وعلى قدر التحديات التي امتلأ بها طريق النجاح؛ كانت هناك كثير من المقومات والمنح والخصوصية، وإن كانت التحديات والعقبات والمؤامرات يحيكها البشر وتُمليها السياسات، فإن المقومات والمنح يخصها الله فيمنحها لمن أراد ويمنعها عمن أراد، وأبدًا لن تخرج إرادة المخلوق عن إرادة الخالق. فمنح الله المملكة مكانتها العظيمة وشرَّفها ببيته، وخصَّها بمسجد رسوله صلى الله عليه وسلم، فتبلورت هذه المكانة في واقع حضاري وثقافي لا نظير له، فأضحت المملكة قلب العالم الإسلامي وقِبلته، ومهوى أفئدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ومحل فخر ومصدر اعتزاز لكل مسلم على وجه الأرض. ومن منح الله لهذه البلاد أن منِّ الله عليها بقادة عظام ورجال أوفياء أيدهم بنصره، وأعزهم بعزته، قادةُ بالحق عُرفوا، وبالوطنية اتسموا، وضعوا مصالح وطنهم نصب أعينهم، وقادوا سفينته وسط الأمواج والمنزلقات، غير عابئين بالتحديات والمؤامرات، فقادوا مسيرة الوطن بكل كفاءة واقتدار، ليسطِّروا أمجاده، ويكتبوا تاريخه بحروف من نور. فاستشعروا أن الوطن في مرحلة ما يحتاج إلى رؤية توجه بوصلته وترسم ملامح مستقبله، تحقق الاستغلال الأمثل لطاقات المملكة الهائلة، وتستثمر مواردها وثقلها الاقتصادي والحضاري والجيواستراتيجي؛ فكانت رؤية المملكة 2030، وهي الرؤية الطموحة في أهدافها، والجريئة في طرحها، والمبهرة في مضامينها، لتنطلق من مقومات الدولة السعودية وبنيتها التحتية القوية التي تراكمت خلال السنوات الماضية، عبر برامج تنموية وخطط خمسية استطاعت أن تؤهل المملكة لهذه الانطلاقة القوية والطموحة. هذه الرؤية التي وضعت وحددت مجموعة من المرتكزات المحورية، حيث تضمنت في المقام الأول وضمن أولوياتها القصوى، الاهتمام المباشر بالمواطن السعودي في التعليم والتأهيل والتدريب وإتاحة وتنمية الفرص، وإقرار مبدأ التكافؤ للجميع، ودعم المؤسسات الصغيرة، ورفع كفاءة القطاع الحكومي، وتفعيل خصخصة عدد من القطاعات، وتمكين القطاع الخاص، مع السعي لتوفير منظومة متكاملة من الخدمات المتطورة في التوظيف، والعلاج، والسكن، والترفيه. ولضبط تنفيذ هذه الرؤية فقد تم وضع أهداف محددة لها، وآليات تنفيذ دقيقة، مقترنة بأجهزة رقابة ومؤشرات قياس وأنظمة متابعة وشفافية، تقوم جميعها على مميزات ومقومات جغرافية وحضارية واجتماعية وديموغرافية واقتصادية تمثل قوة المملكة وطاقتها البشرية، وبالاضافة إلى هذا الجوانب الاجتماعية؛ فهناك مسارات التنمية الاقتصادية والاستثمار عبر العديد من البرامج والإستراتيجيات والآليات التي من المتوقع بإذن الله أن تجعل من المملكة قوة اقتصادية عالمية لا يستهان بها، ونموذجًا فريدًا في التحول الاقتصادي. وعلى هذا مثَّلت رؤية المملكة 2030 تطلعات قادة البلاد لمستقبل المملكة، وسبل تحقيق التنمية الشاملة في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة. وإلى جانب التحديات الاقتصادية هناك تحدٍ من نوع آخر، لكنه التحدي الأخطر، وهو تحدي آفة الإرهاب، فنجد المملكة في سبيل ضمان حماية المواطن ومؤسسات الدولة الحيوية من براثن الإرهاب الغاشم؛ تضع برامج إستراتيجية تعتمد مسارين في حربها على الإرهاب، يأتي في مقدمتها إشاعة ثقافة المسؤولية الوطنية لدى المواطن العادي، ورفع وعيه بالمخاطر المحدقة من جراء الأفكار المغلوطة والفكر الضال، فكانت الجهود واضحة في توعية الشباب إلى ضلال هذه الفئات المشبوهة وانحرافها عن صحيح الدين. ثم يأتي المسار التالي وهو المرتبط بتطوير القدرات الفنية والمعلوماتية للأجهزة الأمنية التي طورت من قدراتها وإمكاناتها بشكل سريع وبكفاءة عالية. فتمكنت من تفكيك خلايا التنظيمات الإرهابية، وأحبطت الكثير من عملياتها، وأجبرت العديد من البؤر الإرهابية على النزوح خارج المملكة بعيدًا عن قبضة الأمن وعينه الساهرة. لكن يظل الإرهاب تحديًا حقيقيًا للمملكة وقادتها يستلزم تضافر كل الجهود وأولها المواطن العادي، الذي استشعر حجم هذا التحدي بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ولعل الاحتفاء الذي تبادله جمهور مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا بنجاح موسم الحج لهذا العام ما يعكس هذا الإدراك وهذه القناعة، فقد انبرى جمهور التواصل الاجتماعي في اعتزازهم بقيادتهم وشرف خدمة الحرمين، وأنه بفضل الله استطاع قادة البلاد وأولي أمرها تغييب الشر عن موسم الحج، وإحباط كل المحاولات الخبيثة لتعكير صفوه، فلم تنل من الأكف الضارعة براثن الشر وخفافيش الظلام. لقد أعطى قادة المملكة النموذج والمثل والدرس في قيادة سفينة وطنهم في بحر متلاطم الأمواج يعج بالتحديات والعقبات والمؤامرات، والخروج منها بأفضل صورة، ليصنعوا من هذه التحديات طريقا ممهدًا نحو النجاح، ويكونوا بذلك أهم عناصر قوة الدولة.. وهنا فقط يمكن قراءة الفارق بين الدول العظيمة الباقية، والدول الهشة المتبخرة.