أصبح مشروع قانون الكونغرس الأمريكي ضد رعاة الإرهاب «جاستا» محور الإعلام الأمريكي، فجأة اكتشف كبار المحللين والإستراتيجيين وكبريات الصحف هناك أن المتضرر الأكبر هو أمريكا ذاتها ومصالحها العليا وأمنها القومي، لم تعد المواجهة، إن صح أن هناك مواجهة، بين الرئيس الأمريكي والكونغرس، دخل الإعلام كمناهض قوي للمشروع. موقف الرئيس أضعف من أن يعتمد عليه، فحتى لو استخدم الفيتو لرفضه، فالكونغرس متأهب لتحصيل نسبة الثلثين من أعضائه لفرضه، لنترك أمريكا تموج في صراعاتها ونتابع نحن استعداداتنا الذاتية لتفنيد القانون إذا ما أُقر. آمل أن تثمر زيارة ولي العهد لأمريكا للمشاركة في أعمال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، واحتمال التقائه بالرئيس الأمريكي ضمن جملة من زعماء العالم حاضري الدورة، آمل أكثر أن تتيح فرصة لقاء سموه بهؤلاء الزعماء ترسيخ فكرة التحالفات الجديدة والمضي قدما في إعادة تشكيل شبكة هذه التحالفات. آمل ثالثا ألا نؤسس تحالفاتنا الجديدة بذات نمطية التحالفات السابقة، باختصارها على الطبقة السياسية، الإدارة الأمريكية على سبيل المثال، أو مع أنظمة أو أحزاب حاكمة أو في الظل، للميديا والرأي العام في كل دولة يجب أن نوجه جهودنا، لا بهدف شن حملة علاقات عامة وإنما لشرح وجهة نظرنا ومبادئ تحالفاتنا الجديدة صيانة لمصالحنا العليا. وإذا كانت السياسة هي فن الممكن فإن بإمكاننا فعل الكثير، بيد أن هذا يتطلب إعادة جدولة الأولويات والأهداف معا، وبعضها قد يكون مؤلما لكنه ضروري لتجنب الأكثر إيلاما. حروب استنزافنا، سياسيا وماليا وعسكريا، تجب مواجهتها وإن أدى الأمر لتسليم ملف حروب المنطقة برمته للأمم المتحدة لتحمل مسؤوليتها في صيانة السلام عالميا، وعلينا التركيز على حماية حدودنا بقوة رادعة توقف كل من يقترب منها، وعلى جبهتنا الداخلية بتسريع الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الكفيلة بانطلاق مجتمعنا لتحقيق رؤيته وتحوله المبتغى. رؤية لا تكتفي بتنويع مصادر الدخل، بل وبتنويع الحلفاء والشركاء ممن ستربطنا بهم لا علائق استثمارية اقتصادية وحسب، بل مصالح عليا وأسواق وأهداف مشتركة، وهذا يتطلب إعادة هيكلة نظمنا الاقتصادية وصناعتنا الوطنية لخدمة هذا التوجه. إعادة هندسة علاقاتنا الخارجية لم تعد خيارا بين خيارات أو مما يمكن تأجيله، بل قرار إستراتيجي لتأمين مصالحنا وأمننا مع شركاء جدد سواء من الشرق أو الغرب، بالخصوص مع اهتزاز علاقتنا بمعظم حلفائنا التقليديين سواء في أوروبا أو أمريكا. المصالح كانت وستظل رائد العلاقات الدولية وبوصلة اتجاهاتها، أما الصداقات فتكون بين أفراد وشخصيات غير اعتبارية، ولا اعتبار لها في حساب المجموع.