بات النشر الإلكتروني رمزاً واضحاً لثورة معلومات مذهلة يشهدها عالمنا المعاصر، حتى أصبح مدى استخدام تكنولوجيا الاتصال وطريقتها من المعايير الحضارية التي تميز تقدم دولة عن أخرى، وغدت بعض التقارير الدولية تتضمن أسئلة قياس لسلوك الناس وتوجهاتهم الإلكترونية! لم تخل هذه التطورات المتسارعة في حرية النشر والتواصل الاجتماعي والتفاعل بكبسة زر واحدة من جدل وإشكاليات وتحديات دفعت الحكومات إلى التفكير في تقنين الإعلام الإلكتروني وتنظيمه، كما هو حاصل في الإعلام التقليدي في الصحف الورقية وغيرها، وهو ما حاولنا في مركز الآراء الخليجية لاستطلاعات الرأي الكشف عنه وقياسه في دراسة استطلاعية لوزارة الإعلام بدولة الكويت حول الإعلام الإلكتروني في إطاره العام أو فيما يخص الإعلام المجتمعي لأدوات التواصل الاجتماعي أو الصحافة الإلكترونية. لم يكن مستغرباً أن 7 من كل 10 كويتيين يعتقدون أن ثمة حرية في الصحافة الإلكترونية بالكويت؛ فلا جدال على هامش تميز المناخ الإعلامي الكويتي عربياً، ولكنهم انقسموا حول دقتها والميل إلى عدم الثقة بها، وهو ما مهد ربما لقبول إجراءات تنظيم هذا الفضاء الإلكتروني الواسع، كما تبين معنا بعد سؤال الكويتيين بشكل مباشر عن مدى تأييدهم لوجود قانون للنشر الإلكتروني، حيث أيد ثلاثة أرباعهم 74% (37% بدرجة كبيرة، 37% إلى حد ما) بمختلف فئاتهم العمرية ومن الذكور والإناث، وجود قانون لتنظيم النشر الإلكتروني، في حين لم يؤيد ذلك سوى (14%)، ونسبة (12%) محايد. لا شك أن هناك العديد من الأسباب والقصص والحوادث التي أوصلت الكويتيين إلى هذه القناعة، والتي تحتاج إلى المزيد من الدراسات المتعمقة واستطلاعات الرأي، ولكن من خلال استحضار نتائج أخرى في الاستطلاع ذاته، بالإضافة إلى النظرة شبه السلبية بعدم الثقة بما ينشر فيها، فقد رأى نصف الكويتيين تقريباً– من الدراسة ذاتها- أنها تتعارض مع الدين والعادات التي تحكم المجتمع، حيث وصلت نسبة من يرون تعارضها مع الدين (53%)، ونسبة (46%) يرون تعارضها مع العادات! برغم هذا التيار المؤيد لتطبيق قانون النشر الإلكتروني، وما رافق صدور قانون الجرائم الإلكترونية من جدل ونقاش، وما يتبعه من ترخيص المواقع الإلكترونية هذه الأيام، يبقى ثمة تحديات لتطبيق هذا القانون نصاً وروحاً والحذر من سوء استخدامه ليجرم الأفكار الحرة الداعية إلى تطوير السياسات وتنمية المجتمع من ناحية، وفي إطلاق الشائعات وإثارة الفتن والطعن بالآخرين من ناحية أخرى. ومن جانب آخر فإنه برغم إيمان الكويتيين بحرية الفضاء الإلكتروني الواسع في بلادهم، ومتابعتهم لما ينشر لكنهم يتحفظون على ما ينشر، ولا يثقون به بالشكل الكافي، وهو ما يشكل فرصة سانحة للإعلام التقليدي والصحافة الورقية للمحافظة على المهنية العالية والالتزام بمواثيق الشرف والصمود أمام مغريات سرعة نقل الخبر على حساب الدقة والمسؤولية. * مدير مركز الآراء الخليجية لاستطلاعات الرأي- الكويت.