في سبعينيات القرن الماضي سقطت وتحطمت طائرة شركة TWA الامريكية في البحر نتيجة خلل فني نتج عن انفصال احد محركات الطائرة من جسمها وتوفي جميع من كانوا على متنها .. وبعد بحث واستقصاء عن سبب انفصال المحرك ..توصلوا الى اسباب الخلل الذي ارتكبه احد موظفي الصيانة ..فرأت الشركة ان تكون فريقا هندسيا يجوب العالم ليشرح لشركات الطيران ومراكز الصيانة اسباب عدم ربط المحرك بالطريقة الصحيحة والاجتهادات التي ارتكبت من قبل احد الموظفين. تذكرت هذه الحادثة ونحن في خضم وزخم النجاح الفائق لحج هذا العام والذي يمكن ان يعزى الى التخطيط لأدق التفاصيل ..والعمل وفق الاهداف المحددة والاصرار على النجاح .. ولكن اذا اكتفينا بهذا الوصف الشامل الجامع فإننا فعلا نقزم عملنا وانجازنا ونجاحنا ..لأنني ازعم ان هذا النجاح له مقاييس ومعايير لوجستية شديدة التعقيد مثلها مثل (نقل الجيوش والسلاح وادارة الحروب) مع فارق التشبيه وجلال الحدث والمناسبة. واعذروني علي هذا الوصف لأقرب لكم الفكرة وخصوصا لتلك الأمم والمحافل التي لا تدرك كنه ومعني وسمو الحدث. ولكي اقرب الفكرة اكثر لذهن الاخرين اتطرق الي الجهود التي تبذل لبناء مدن الالعاب الاولمبية كل 4 سنوات في احدى دول العالم لاستضافة 2 الي 3 ملايين انسان في اكثر من موقع ومدينة ونشاط. لمدة 3 اسابيع تقريبا ..مع فوارق الخواص اللوجستية والتحركات الآنية والفورية لحشود الحجيج في وقت واحد ومكان واحد ولهدف واحد وباحتياجات ومتطلبات واحدة .. فلو افترضنا ان اعداد حجيج هذا العام عددهم وصل الي اكثر من مليوني انسان. فانهم يتحركون جميعهم صوب عرفات في ليلة واحدة ..وبنفس الطرق ووسائل المواصلات .. ويأكلون ويشربون في نفس الوقت ..ويقضون حاجاتهم الانسانية تقريبا في نفس الوقت ..ويذهبون للوضوء والصلاة في نفس الوقت ..ويتكرر هذا السيناريو في جميع طقوس ومناسك الحج علي مدار ايام اداء الفريضة .. وتجدر الاشارة هنا الي ان اعاشة اكثر من 2 مليون انسان وتحريكهم من مكان الي اخر في وقت قياسي يتسم بالمغامرة الكبري .. والتحدي العظيم .. ويمكننا ترجمة هذه التحديات في النقاط التالية * توفير المواد التموينية من مأكل ومشرب ودواء. * اعداد وتوفير اكثر من 15 مليون وجبة خلال اداء مناسك الحج. * الحفاظ علي البيئة والتخلص من النفايات. * توفير المسالخ والمذابح للاضاحي والهدي واعادة تبريدها وتخزينها وتوزيعها علي فقراء مكة والعالم. * توفير العلاج الطبي والسريري والجراحي لكل محتاج . * مراقبة الاوبئة والامراض المعدية وعزل المصابين . * الاستعداد للكوارث الطبيعية والحوادث واعمال الانقاذ. هذا سرد قليل من كثير لما يدور ويحدث اثناء اداء المناسك. انها معجزة بكل المقاييس ..وانه عمل دؤوب واصرار بحزم وحسم وتعامل انساني ..انها معايير شديدة التنوع والتعقيد والتناقض او التضاد .. انها تجارب رائدة في عالم ادارة الحشود والمواكب لا مثيل لها في الدنيا يتجلي فيها الابداع ودقة التخطيط والادارة الحاسمة ووضوح الهدف تستحق النشر ومشاركة المحافل العالمية لخبراتنا وتجاربنا ونجاحاتنا كي يتعلموا منها ويعيدوا توظيفها في مناشطهم. وبناءً علي ماسبق فإنني اهيب وادعو كل جهات الاختصاص التي ساهمت في ادارة الحج من اجهزة حكومية ومؤسسات وشركات ومنظمات وافراد ان يوثقوا نشاطاتهم بالدراسات والافلام وقصص النجاح والدروس المستفادة ..والافكار الجديدة التي تولدت اثناء العمل،استعدادا لعقد مؤتمر عالمي خلال 3 اشهر تحضره المحافل العالمية والعلمية والمنظمات واصحاب الصناعات الخفيفة والثقيلة وخبراء التكنولوجيا والمعلوماتية والبرمجيات لدراسة قصص النجاح والبناء عليها وتطويرها. وتوظيفها في المناهج التعليمية للمدارس والجامعات ومنظمات الحج. واخيرا وليس آخرا .. ان نعد فرق عمل كي تجوب العالم و علي درجة عالية من الكفاءة والقدرة علي نقل الافكار والتجارب الي المهتمين بهذا الحدث العالمي الذي سيتكرر عاما بعد عام الي يوم الدين. وبذلك نكون فاعلين ومؤثرين ومساهمين في نهضة العالم.