يوسف أبولوز عظيمة روح الشعب السوري، وعظيمة إرادته، وقدرته على حب الحياة والتعلق بها، ولو على ظهر حصان.. وهذه قصة لجوء سوري أخرى، في سردية شعب يدون أسطورته بالدماء والدموع. هذه المرة إيلان وأخته جيلان.. على كرسيين متحركين فوق ظهر حصان خرجا من سورية، ليقطعا مسافة 2500 كم.. ثم.. وداعاً يا غولساري.. إذا مات على الطريق.. المهم الوصول إلى مكان بعيد عن هطول البراميل. تعرفون قصة الحصان غولساري للكاتب القيرغيزي جنكيز إيتماتوف، وتعرفون قصة الخيول الروسية التي يُطلق عليها النار عندما تهرم، وتصبح عبئاً على الدولة. لكن قصة إيلان وجيلان جرت في أرض أخرى، ومع حصان آخر. الأغلب أنه كان يرعى ما تبقى من عشب في ريف حلب، حصان نحيل، لكنه قادر على حمل اثنين على الأقل من أبناء شعبه (أليس الحصان فرداً من أفراد الشعب؟!)، ثم اقترب قليلاً من قصيدة محمود درويش الحوارية الحارة بين ابن وأبيه.. يسأل الابن: لماذا تركت الحصان وحيداً؟ فيجيب الأب: لكي يحرس البيت يا ولدي. وفي حالة إيلان وجيلان، فالحصان لم يجد ما يحرسه.. لا بيت، ولا حقول، ولا بشر. لا مكان تصهل فيه الخيول، وكل شيء عليه أن يغادر ويترك المكان. اخرج أنت وحصانك، اخرج أنت وما تبقى من أبنائك، خذ ما تشاء من البيت.. ثم، وما الذي تبقى في البيت. خذ سلاحك إذا أردت، خذ مالك وعيالك وأثاثك واترك سورية، اترك سورية لنا. اترك نهر بردى، واترك محمد الماغوط، واترك الياسمين الذي تحبه دمشق. لا مكان لك هنا في سورية أيها السوري، اعبر الحدود على ظهر حصان، واقطع البحر في قارب خشبي أو مطاطي. اغرق في عرض البحر، أو لا تغرق، لا شأن لنا بك.. مت من الجوع ومن البرد، مت من قذيفة سوخوي أو طلقة قناص. لا شأن لنا بك. سورية لمن يحميها، ونحن حماة الديار. غادر أو هاجر. اترك ساحة المرجة، وقبر سعدالله ونوس، وقصائد نزار قباني، وضحك ممدوح عدوان، ومقامات صباح فخري. لا شيء لك هنا، سورية ليست لك.. لك الحصان والقارب المطاطي والخيمة البالية على الحدود. لك المنفى الأوروبي الجميل. ستأكل في ألمانيا أفضل مما تأكل في دير الزور. ستنام وتحلم. خذ حلمك معك أيضاً، واحلم كما تشاء. نحن هنا باقون. باقون على صدر الحجر وصدر البشر، وأنت؟... ماذا لك؟ ما الذي تبقى لك؟ خذ معك قصيدتك الأخيرة. أو لأقل لك شيئاً آخر: لسنا في حاجة إلى شعرك، ولسنا في حاجة إلى مسرحك، ولا إلى لوحتك، عندنا شعراؤنا ومثقفونا ونقادنا، عندنا كلاب حراستنا، وعندنا المداح والرداح. خذ حصانك يا إيلان.. خذي حصانك يا جيلان. كما ترون قطعة واحدة بلا فقرات، وبلا تقطيعات. فقط جمل قصيرة متلاحقة. عظيم الشعب السوري، وعظيمة قدرته على حب الحياة. yosflooz@gmail.com