تداول المغردون مقطعا قصيرا لمعلم مريض بالسرطان وهو يطلّ من شباك غرفته على 400 من طلابه وطالباته الذين حضروا ليرددوا ابتهالات دينية دعما له في مرضه، وأملا في شفائه. بعض الطلاب مدّ ذراعيه للأعلى كمن يرسل طاقته الإيجابية لمعلمه، وبعضهم عقد ذراعيه على صدره وكأنه يحتضن هذا المعلم من بعيد، لحظات قصيرة صورت المحبة العظيمة لهذا المعلم في نفوس طلابه. هذه المحبة جعلتهم يخصصون جزءا من وقتهم لمواساته والتخفيف عنه وهذا بالتأكيد لم يأت من فراغ. عندما شاهدت هذا المقطع تذكرت الدرس الأول في الصف الأول الابتدائي "من زرع حصد"، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ لعله من المناسب أن يسأل كل من يشتغل في التعليم منا نفسه الآن "كم طالبا سيدعون لي؟". "من زرع حصد" هذه العبارة القصيرة تلخص المشهد بالفعل فقد آتت غراس هذا المعلم أكلها. زرع هذا المعلم بذرة المحبة والتقدير والدعم والبذرة أينعت وأزهرت وأثمرت الحب والتقدير والدعم، بل وقدمت له الظل الظليل في أشد أوقاته احتياجا إليه. هذا النوع من المشاعر لا يشترى أو يُدَّعى بل يقدمه البشر طواعية لمن يحبونهم ويثقون بهم ويشعرون معهم بالأمان والتقدير والعدالة، ولذلك أرى أن من صميم رسالة المعلم أن يكون مصدرا للأمان والتقدير والعدالة، ويتأكد من إدراك طلابه لهذه المفاهيم وتطبيقهم لها وأن يطبقها مبتدئا بنفسه. كن جديرا بالثقة، فالطالب يقضي حوالي نصف نهاره في المرفق التعليمي أيا كان، لذلك من الضروري أن يحرص المعلم على توثيق رابط الثقة مع طلابه. يتنامى الشعور بالثقة مع كل موقف يمر به الطالب مع المعلم، سواء كان هذا الموقف معرفيا أو إنسانيا. الشعور بهذه الثقة يساعد الطالب على التعلم، فالعقل المتوتر لا يمكنه التفكير أو التركيز. كن ملهِما، فالطالب لا ينسى معلما ألهمه وساعده على تحقيق أفضل ما تمكنه منه قدراته واستعداداته. في هذا العصر يمكن الحصول على المعرفة من كتاب أو من موقع إلكتروني أو حتى من تطبيق تعليمي على هاتفك الذكي، لكن دور المعلم الأهم هو الإلهام. لذلك اجعل قرارك المهني هذا العام أن تكون مصدرا للإلهام بين طلابك. كن أستاذا ملهما وساعد طلابك على تصور مستقبلهم. اشرح لهم أن العالم أوسع من هذا الركن الصغير الذي تجلس فيه معهم، وأن هناك الكثير من الخيارات في هذه الحياة. كن مصدرا للأمل وسلّح طلابك بالأمل، فالعديد من طلابنا يائسون للأسف! ولا غرابة فما يحدث في المنطقة حولنا يبعث على اليأس والقلق. حاول أن يكون لقاؤهم بك استراحة لهم من هذه المشاعر الرمادية قدر استطاعتك. أعرف جيدا أن التحديات كبيرة وأن العديد من مرافقنا التعليمية ينقصها كثير من التجهيزات، لكن هذا كله واقع يجب مواجهته وتحليله واستخدامه كركيزة للحل، ومن لا يشارك في الحل فهو غالبا جزء من المشكلة. طوينا ولله الحمد، صفحة أطول إجازة في تاريخ تعليمنا. أربعة أشهر، بحسبة أخرى ثلث عام. سيكون من الرائع لو اقتنص كل معلم فرصة هذه البداية الجديدة لتجديد نيته وتحديد أهدافه من وجوده في سلك التعليم، ولرؤية استثماره البشري -طلابه- بعين المعلم والوالد والمربي، وأن يمنح المقصر سابقا منهم فرصة جديدة، فالإنسان يتغير كثيرا في أربعة أشهر. عودا حميدا وبداية موفقة.