فيما يشهد العالم تقلبات حادة وصراعات مسلحة، استخدم الدين لتأجيج بعضها، باتت الحاجة أكثر إلحاحاً لمد الجسور بين أهم ديانتين في العالم (الإسلام والمسيحية)، وقد عمل مفكرون وعلماء دين وسياسيون، خلال العقود الماضية، على إطلاق حوار جاد بين المسلمين والمسيحيين، وعلى الرغم من المصاعب التي تواجهها هذه الجهود، إذ شهدت فيها بلدان عربية أزمة سياسية، انتهت بنزاعات مسلحة على السلطة، إلا أن الملتقيات والندوات لم تنقطع حتى خلال السنوات الأخيرة. وفي الغرب تحاول مؤسسات فكرية وجامعات وجمعيات مستقلة، جمع ممثلين عن الإسلام والمسيحية حول طاولة واحدة، من أجل النقاش والتخفيف من الاحتقان الديني الذي عرفته أوروبا وأميركا الشمالية في الآونة الأخيرة. فهد أبوالنصر «النموذج الإماراتي في مجال الاعتدال والتسامح ودحض التطرف، يحظى بإعجاب وإشادة كبيرة في أوروبا». تحاول مؤسسات فكرية وجامعات وجمعيات مستقلة غربية، جمع ممثلين عن الإسلام والمسيحية حول طاولة واحدة، من أجل النقاش والتخفيف من الاحتقان الديني الذي عرفته أوروبا وأميركا الشمالية في الآونة الأخيرة. الديانات هي من بين العناصر الفاعلة، التي يمكن أن تلعب دوراً قيادياً في تعزيز التماسك الاجتماعي، والقضاء على الانشقاقات. ولقيت زيارة شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، إلى المقر البابوي في الفاتيكان، في مايو الماضي، ترحيباً عالمياً، وفي القمة التاريخية ــ الأولى من نوعها ــ تركز النقاش على تنسيق الجهود بين مؤسسة الأزهر والفاتيكان، من أجل ترسيخ قيم السلام، ونشر ثقافة الحوار والتسامح والتعايش بين مختلف الشعوب والدول، وحماية الإنسان من العنف والتطرف والفقر والمرض. وجاءت الزيارة في توقيت مهم، بات العالم بأمسّ الحاجة إلى التقارب والتعاون لنشر السلام والتسامح. وحملت جولة شيخ الأزهر إلى الفاتيكان والدول الإفريقية (غير الإسلامية) رسائل عدة مهمة، في إطار تأكيد دور الأزهر ورسالته العالمية التي يتطلع إليها المسلمون، بوصف هذه المؤسسة قلعة الوسطية، وتمثل المرجعية الأولى لأهل السنة (غالبية المسلمين)، والداعم الرئيس لاحترام الأديان وقبول الآخر. أما البابا فرنسيس فقد أثبت أنه يريد حواراً بناء مع الجانب الآخر، وهو يعلم أن الأفعال تعبر أكثر من الأقوال. وقال للصحافيين، في أعقاب لقائه شيخ الأزهر، إن «الرسالة هي لقاؤنا معاً»، وتركزت المحادثات بين الرجلين على السلام في العالم، ونبذ العنف والإرهاب، وأوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط، وسبل حمايتهم. ويذكر أن البابا قد أحضر معه عند زيارته جزيرة ليسبوس اليونانية، أبريل الماضي، ثلاث عائلات سورية مسلمة، إلى الفاتيكان. صانع التقارب ويقول الكاردينال الفرنسي، جان لويس توران، «إذا عبر البابا فرنسيس عن رغبته الشديدة في التقارب مع الإسلام، فسيكون صانع هذا التقارب». وكان البابا فرنسيس قد عُين وزيراً لخارجية الفاتيكان، من قبل البابا السابق يوحنا بولس الثاني، في 2012، في وقت شهدت العلاقات المسيحية الإسلامية تدهوراً كبيراً. وعمل فرنسيس منذ ذلك الحين على إزالة كل العقبات، وكان تركيزه على الأزهر، لأنه يعتبر مؤسسة جامعة لها وزنها في العالم الإسلامي. ويذكر توران: «لم يتم التطرق إلى الماضي، بل اقتصر الحديث على الحاضر والمستقبل، وكان لدى الطرف الآخر (شيخ الأزهر) رغبة شديدة في استئناف الحوار بين الديانتين». المتغيرات التي تحدث على مستوى العالم، بعد اهتزاز وترجرج التكوينات السياسية والآيديولوجية والبشرية أمام التحديات التي تواجه العالم الإسلامي والآخرين في المناطق الأخرى، لا نستطيع ولا يستطيعون مواجهتها منفردين. والمسلمون بحاجة، مثل الغربيين، إلى التواصل، لمعالجة المشكلات الراهنة. وفي حين حالت ظروف المرحلة الماضية دون قيام حوار حقيقي مع الجانب المسيحي، يقول مراقبون إن الظروف الراهنة باتت تلح على مد الجسور إلى الآخر. شرط ضروري في أحد تصريحاته الأخيرة، قال البابا فرنسيس، إنه من المفترض أن يحمل الحوار الصادق بين الرجال والنساء من مختلف الأديان ثمار السلام والعدالة للعالم. وأضاف أن «معظم شعوب الأرض تعلن نفسها كمؤمنين، وهذا الأمر يجب أن يشجع كل الأديان للتحاور في ما بينها». وأوضح البابا أن «الحوار بين الأديان هو شرط ضروري من أجل السلام في العالم، وبالتالي علينا أن نصلّي باستمرار على هذه النية، ونعمل مع الذين لديهم معتقدات مختلفة عنا»، وتابع: «في ظلّ هذا التنوع في الآراء وأساليب الإيمان، هناك حقيقة واحدة جامعة: كلنا عباد الله، أما أنا فأئتمنكم بنشر صلاتي، على نية أن يكون للحوار الصادق بين مختلف الأديان ثمار سلام وعدالة.. أنا أثق بصلاتكم». إشادة بالدور الإماراتي ويرى رئيس مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، الدكتور فهد أبوالنصر، أن النموذج الإماراتي في مجال الاعتدال والتسامح ودحض التطرف، يحظى بإعجاب وإشادة كبيرة في أوروبا، وبالتحديد من قبل الشخصيات الأوروبية التي تزور المركز ومقره العاصمة النمساوية فيينا. وأكد أبوالنصر أن الإجراءات التي اتخذتها الإمارات لمكافحة خطاب الكراهية والتطرف، في مقدمتها تشريع قوانين لتجريم ازدراء الأديان، ينظر إليها في أوروبا كخطوة كبيرة ومهمة في هذا المجال، مشيراً إلى أن دولة الإمارات اليوم مثال حي يحتذى للإسلام الوسطي الواجب أن يعمم على كثير من المجتمعات الإسلامية، بفضل تطويع الإمارات للعلوم الحديثة لخدمة الإسلام، وترسيخ ثقافة احترام الأديان من خلال تجريم ازدرائها بقوانين صارمة. وأشار إلى أن ما بذلته الإمارات في سبيل تحسين صورة الإسلام والمسلمين في العالم قد أعطى ثماره، وأن الدولة حين كانت سباقة إلى سنّ تشريعات وقوانين لتجريم ازدراء الأديان، اتخذت بذلك خطوات مهمة في هذا المجال. وبخصوص رسالة مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، قال رئيس المركز، إن الرسالة التي تحملها المؤسسة العالمية، وهي حوار الأديان، تعد رسالة سامية يسعى كل فريق المركز إلى إيصالها إلى العالم من قلب أوروبا، وسط تحديات كبيرة يعيش العالم على وقعها. ويستطرد أبوالنصر: «إذا كنا نحتاج فعلاً إلى الحوار في أي يوم، فنحن أصبحنا بأمسّ الحاجة إلى هذا الحوار اليوم قبل الغد، ونحن في المركز نعمل مع كل الأطراف، ونأمل أن تصل الرسالة إلى الجميع على مستوى المؤسسات والحكومات والأفراد، لأن الحوار إذا اقتصر على ما هو شخصي فلن نصل إلى تحقيق الأهداف المرجوة». ويعتبر المركز العالمي للحوار منظمة شبه حكومية، تنشط في مجال تعزيز الحوار وبناء السلام في مناطق الصراع، من خلال تعزيز التفاهم والتعاون بين أتباع ثقافات وأديان مختلفة. وتم تأسيس المركز عام 2012 بمبادرة من جمهورية النمسا والمملكة العربية السعودية ومملكة إسبانيا، حيث يقوم الفاتيكان بدور مؤسس مراقب داخله. تحديات خطرة استضافت المفوضية الأوروبية اجتماعاً رفيع المستوى، العام الماضي، ضم شخصيات دينية مسيحية وإسلامية وغيرها، من مختلف بلدان العالم، تحت شعار «العيش معاً والتغلب على الخلافات»، وذلك بحضور مسؤولين أوروبيين وأعضاء في البرلمان الأوروبي. وقال المفوض الأوروبي، فرانز تيميلمانس، إن الأوروبيين يعتبرون هذا الحوار أكثر أهمية من أي وقت مضى، وذلك لأن «المجتمعات تواجه تحديات خطرة»، موضحاً: «الديانات هي من بين العناصر الفاعلة، التي يمكن أن تلعب دوراً قيادياً في تعزيز التماسك الاجتماعي، والقضاء على الانشقاقات». وأضاف المفوض الأوروبي أن «القادة (الدينيون) هم شركاء للمفوضية الأوروبية إلى أقصى حد، حيث يمكن تبادل الخبرات في مجال مكافحة التطرف والتمييز وتعزيز الثقة والتفاهم المتبادل». واعتبر نائب رئيس البرلمان الأوروبي المسؤول عن تنظيم الحوار، أنطونيو تاغاني، أن الحوار بين الأديان هو أمر حيوي للدفاع عن قيم المجتمعات. وينبغي على المؤسسات الأوروبية ألا تشجع هذا النوع من الحوار فقط مع القيادات الدينية وعلماء الدين، وفقاً لتاغاتي، ولكن أيضاً إشراك الشباب في هذه الحوارات، لأن المجتمعات بحاجة إلى سياسات تعزز القيم الأساسية مثل السلام والتضامن واحترام كرامة الإنسان عند أجيال المستقبل. التسامح والاحترام ويرى الأمين العام للمجلس الأوروبي لعلماء المغرب، خالد حجي، ان «الخوف من الإسلام في أوروبا قد يشكل مفهوماً خاطئاً في بعض الأحيان، لأن المسلمين الذين يأتون إلى أوروبا قد يصلون بطرق عيش وتقاليد مختلفة، لكن الخوف من هذا الوضع يتطلب رداً متكاملاً وبالتنسيق مع جميع الجهات المعنية لفهمه وتجاوزه». وتعقد اجتماعات رفيعة المستوى ومناقشات في مجموعات العمل بانتظام بين المفوضية الأوروبية من جهة، والجمعيات أو الجماعات الدينية والمنظمات غير الحكومية، من جهة أخرى. وتدعم المفوضية الأوروبية الحوار، من خلال عقد مثل هذه اللقاءات، وفقاً للخبير في الشؤون الأوروبية، دانيال غوميز، لكن أيضاً عبر تقديم الدعم المالي للمشروعات التي تعزز التفاهم بين الثقافات والأديان. ومن خلال برنامج «أوروبا للمواطنين» تعمل المفوضية على رفع مستوى الوعي بالقيم الأوروبية، مثل التسامح والاحترام المتبادل وتعزيز مشاركة المجتمع المدني. ودعمت المفوضية مشروعات تهدف إلى منع ومكافحة ما يسمى بمعاداة الكراهية والتعصب ضد المسلمين، في 2015، وأيضاً المشروعات التي تعزز التفاهم بين أبناء الديانتين. كما أطلقت أدوات وممارسات لمنع ومكافحة خطاب الكراهية على الإنترنت من خلال تطوير خطابات مضادة. للإطلاع على محطات في الحوار بين الأديان ، يرجى الضغط على هذا الرابط.