×
محافظة المنطقة الشرقية

سوما: في رقبتي دَين لهجر

صورة الخبر

أصبحت مهمة التواصل مع الجمهور ليست كما السابق، وإنما تطورت وأصبحت تعتمد أكثر فأكثر على تكنولوجيا الاتصالات وشبكات الإنترنت بما توفره من إمكانيات هائلة، ولا حصر لها، إذ إن البرامج الجديدة والتحديثات لا تكاد تهدأ في هذا المجال، وهو الأمر الذي فرض على كل المؤسسات والهيئات تحديات جمّة يأتي، على رأسها كيفية الاستفادة والتأقلم مع هذا الواقع الذي أنشأته تلك التكنولوجيا وجعلته أسلوب حياة في المجتمعات، لا فكاك منه، ومن يتخلّف عنه يكون كمن فاته القطار إلى غير رجعة. ولعلّ مواقع أو وسائل التواصل الاجتماعي أو ما بات يُسمى بـ"العالم الافتراضي" قد استحوذت على جلّ هذه التطورات، وأصبح انتشارها كما الهشيم في النار، لا سيما عند قطاعات عريضة من الشباب التي هي قد تكون الفئة الأهم في الحراك المجتمعي عند مختلف دول العالم. ولذلك الكثير من قطاعات الأعمال ومؤسسات المجتمع قد تخلّت عن الطرق التقليدية في التواصل، وأخذت على عاتقها الانتقال في تواصلها مع هذه المعطيات المتطورة في عالم الاتصال والتكنولوجيا حتى لا تبقى عبئاً ثقيلاً فاقداً للنبض والحيوية في محيطه، ولقد ازداد الاهتمام بهذا المنحى، خاصة لدى المؤسسات التي هي في أصل أعمالها واختصاصها التفاعل مع الجماهير، بل والارتكاز عليهم فيما تتوقع من مخرجات وإنجازات. البرلمانات هي في موقع الصدارة من ذلك، لا لشيء سوى أن طبيعتها -أصلاً- قائمة على العلاقة بين الجمهور وممثليه الذين اختارهم لينوبوا عنه في البرلمان، وبالتالي تعزيز تلك العلاقة عبر إشراك المواطنين في عمليات صنع القرارات والسياسات والتشريعات يستدعي الوصول إلى أكبر الفئات الجماهيرية والتفاعل معها على أوسع نطاق، مما لا يمكن في وقتنا الحاضر أن يتحقق إلا باللجوء إلى العالم الافتراضي والعمل على تطوير الأدوات الإعلامية الحديثة في إيصال الكلمة والصوت للجميع والوجود للوصول لنبض الشارع وإنعاش المناخ الديمقراطي وإشراك المجتمع في القضايا والقرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يكون مطبخها البرلمان. غالب البرلمانات أخذت هذا النهج، كيّفته وفق لوائحها وأنظمتها، وقنّنته بما يتلاءم مع واقعها ويحقق طموحها، لكنها باتت جميعها تشترك في أن التواصل مع الجماهير لم يعد يتحقق بغير هذه الأدوات والوسائل التي غزت العالم وملأت آفاقه. ومن تلك البرلمانات التي يمكننا أن نشير إليها بالبنان في هذا المجال، مجلس الشورى العماني الذي سيندهش من يزوره للوهلة الأولى، ليس من بنائه وتصميمه المعماري وجماله الأثري وعكسه لتراث سلطنة عمان فحسب، وإنما سيرى -وقد تشرفت بزيارته عدّة مرات- مقدار التوظيف اللامحدود للتكنولوجيا المتقدمة في شتى جنبات مبنى المجلس وأعماله بصورة تعكس حجم العناية والاهتمام نحو الارتكاز على أن يكون المجلس متميزاً في هذه الأدوات، ومستغلاً لها خير استغلال. بعث لي قبل بضعة أيام الأخ والصديق العزيز معالي الشيخ علي بن ناصر المحروقي أمين عام مجلس الشورى العماني ببعض الخطوات التي تنتهجها أمانتهم العامة في هذا الصدد وتستهدف تعزيز الثقافة البرلمانية، وتعظيم التواصل مع الجمهور من خلال العالم الافتراضي ووسائله واهتمامهم بمعرفة ردود فعل الجماهير، وقياس الرأي العام حول أداء أعضاء المجلس وأداء المجلس عموماً. أمانة المجلس وضعت هدفاً عاماً في مجال إدارة حساباتها في التواصل الاجتماعي، ينص على "إيجاد قنوات للتواصل والحوار ما بين المجلس والمواطن، وتثقيف المجتمع بالدور الرقابي والتشريعي لمجلس الشورى العماني"، ثم سخرت إمكانيات وكفاءات لتحقيق هذا الهدف على أرض الواقع، وبذلت جهوداً -ربما- غير عادية لاستقطاب الجمهور إلى حساباتها، وحرصت من خلالها أن يكون التواصل في هذه الحسابات حقيقياً وتفاعلياً بين النواب والجمهور، الاستماع والرد حتى لو كان النقد قاسياً، والأهم عدم إهمال الملاحظات المرفوعة من تلك الحسابات، بل قامت الأمانة العامة بعرض الملاحظات التي تصلها أثناء بث الجلسات العامة على شاشات عرض كبيرة داخل المجلس، كما تنقل "الهاشتاغات" التي يجري عملها خلال متابعة الجلسات، وتعرض إحصائيات بـ"الوسم" الذي تعلق بمداخلات أو بيانات النواب أو الوزراء. نقل الجلسات البرلمانية وفتحها لمن شاء من الجمهور، ووضعها على مختلف منافذ "الميديا"، وإشراك الناس من خلال حسابات المجلس والأعضاء في "تويتر"، وتسلّم تعليقاتهم وانتقاداتهم ومقترحاتهم، والأهم الرد عليها، والاهتمام بملاحظاتهم. أخيراً، أقدمت الأمانة العامة على إنشاء ما سمته "واتساب الشورى، وجعلته مفتوحاً بينهم وبين جمهور الناس، وتهدف من خلاله إلى زيادة الشفافية وتحقيق اتصال أكثر فاعلية، ويبدو أن أمانة المجلس العماني قد حسمت أمرها في هذا التوجه؛ لذلك ارتفع -مثلاً- عدد متابعي حساباتها خلال فترات وجيزة، وتجاوزوا خانة الآلاف، فعلى سبيل المثال بلغ عدد متابعي حسابهم في "تويتر" إلى نحو 216 ألف متابع. على العموم التفاعل المباشر بين أعضاء أي برلمان وجمهوره إنما هو فرصة ومصبّ للجمهور في المساهمة في صنع القرار عبر النقاشات والملاحظات، فضلاً عن فرصة التواصل وتبادل المعلومات علناً، وإمكانية لعب دور رقابي على مؤسسات الدولة عبر مواقع التواصل التي أزالت كل الحواجز وأنشأت عالماً افتراضياً يتسع لكل شيء، من يتجاوزه، فقد ارتضى أن تتجاوزه سنن التقدّم والتطوّر. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.