تكشف لنا ايام المناسبات الدينية والوطنية حجم الضعف في مستوى الخدمات بسبب التنظيم. وتكشف حجم الضغط على مقدم الخدمات بسبب ثقافة التأجيل لآخر لحظة. ولكن هذا المنظر المزري والمتكرر سنويا لم يعد مبررا او مقبولا في ظل تطور الخدمات الاليكترونية او ما يسمى بالحكومة الاليكترونية تجاوزا في بعض الحالات. ولعل المنظر المتكرر عند الجوازات في معظم المدن السعودية شاهد على ما اقول. ولعل عملية تحليل مضمون للصحافة السعودية لأكثر من ثلاثين عاما وهي تتحدث عن هذا المشهد المتكرر. ما الجديد إذا؟ الجديد ان القطاعات الخدمية في وزارة الداخلية تواكب الكثير من التطورات التقنية وتحديث الاجراءات الادارية وتخفيفها. ونجحت فعليا في مواقع عدة ومنها الاحوال المدنية وفي الطريق المرور. بل اعتقد ان تلك الخدمات الحكومية ستكون المنقذ لبريدنا الوطني الذي استفاق في غرفة الانعاش وهو يحتضر بسبب البريد الاليكتروني الذي اصبح في جيوب الناس. ولكن برزت الحاجة لخدمة التوصيل للرخص والجوازات والتأشيرات وربما لاحقا الحوالات وجميعها ستنقذ البريد. ولكي تتحقق خدمات الداخلية كالجوازات وينجح البريد في التوصيل لا بد ان تكون شركات الاتصالات على قدر كاف من المسؤولية في ايصال الخدمة والمحافظة عليه. التجارب والتغريدات المتكررة وحديث المجالس يشير الى غير ذلك. فهذه الشركات لا صوت لديها يعلو على صوت الربح. وعندما يقع احدنا في شباك التسويق لهذه الشركات فسنصبح في قائمة العملاء وبالتالي عميلنا و"نمون عليه"، وبالتالي لا يحظى باي ميزات يحظى بها العميل الجديد. والذي هو ان تكاليف الاتصالات تتزايد بالرغم من الصورة الوردية المقدمة للمستهلك بان ما يلقاه من خدمة ليست فقط عالية الجودة وإنما من اقل سعرا مقارنة بمثيلات في دول الجوار. وهذا غير صحيح بل "حشف وسوء كيل"، فالخدمة متدنية والسعر عال. فكيف ستنهض خدمات الحكومة الاليكترونية والتي تسعى كافة قطاعات الحكومة تقديمها للمواطن في ظل خدمات متدنية من بعض شركات الاتصالات. فالأعطال مثلا لا يتم التعامل معها بشكل احترافي، حيث كان يجب ان تتم العملية بكاملها بشكل رقمي وسريع. لأن شركات الاتصالات تملك التقنية وتعرف قيمة الوقت في الوصول للمستخدم الرقمي (مقدم الخدمة والمستفيد منها). ولكن هيهات هيهات ان تتحقق نجاحات بارزة في خدمات الحكومة الاليكترونية في ظل نهج شركات الاتصالات الحالي تقنيا وخدميا. ففي هذين الجانبين يصعب التنبؤ بما يخبئه الزمن من مشاكل مستقبلية لمقدم الخدمة والمستفيد منها ويكفي ان مشروع الالياف البصرية لم ير النور الا قريبا بالرغم من الحديث عنه ايام طيبة الذكر شركة "بل كندا" قبل ثلاثة عقود تقريبا. وعندما دخل هذا المارد الرقمي في احياء المدن بعد عملية تدمير للشارع والرصيف وبعض جدران المنازل، بدأت شركات الاتصالات قرع الابواب لتقديم خدماتها عبر الالياف البصرية وباسعار لن تكون في متناول الجميع بشكل معقول وعادل وحسب طبيعة الاستخدام. وهذا سيدفع المستهلك الى تفضيل الخدمات البطيئة وسعرها شبه المرتفع بدلا من الخدمات السريعة وبوعود لتحقيقها وبسعرها المرتفع. حظنا مع التقنية وخدماتها ليس جديدا ولعل الذاكرة تعود بكم "لرقم الجوال ابو عشرة آلاف عند تشريفه"، وقبله تليفون السيارة. شكل حظنا الرقمي لا يختلف عن ابن ثقافتنا الشعبية والذي حلم وهو يبحث عن حظه بين الحظوظ فوجده يزحف في الاخير. فذهب يستحثه فالتفت اليه الحظ العاثر وقال عبارته التي راحت مثلا "اسكت والا انسدحت". فمن سيسكت ومن سينسدح في معادلتنا الرقمية مقدم الخدمة اوالمستفيد منها او شركات الاتصالات التي لا تتحقق تلك الخدمة الا من خلالها؟ كل عام وانتم بخير..