في مشاركةٍ لعضو مجلس الشورى الأستاذ محمد رضا نصرالله العضو في لجنة الشؤون الثقافية والإعلامية، الإثنين 26 ربيع الفائت، جاء فيها (كشفت دراسة حديثة أجراها البنك الدولي بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتخطيط أن رواتب السعوديين في القطاع الخاص هي الأرخص، مقارنة برواتب مواطني دول مجلس التعاون الخليجي والدول الأوروبية، فقد كشفت الدراسة أن متوسط الراتب الشهري في القطاع الخاص السعودي 6400 ريال مقارنة براتب الخليجيين البالغ 15200 ريال، وفي دول الاتحاد الأوروبي 23.600 ريال، بينما متوسط راتب السعوديات 3900 ريال مقارنة بالخليجيات 8700 ريال والأوروبيات 15000 ريال). على الرغم من أنَّ الحديثَ حول تدني أجور السعوديين حديثٌ مهم في هذا التوقيت، إلَّا أنَّ عوامل أُخرى تضاف إليه تجعله حلقة من سلسلة أمور تشكل بأجمعها الأزمة الحقيقية على المواطن، فرغم أهمية تناسب الأجور مع أسعار السوق العالمية إلا أنَّ ظروفاً أُخرى تجعل الراتب الحقيقي للمواطن مختلف تماماً عن راتبه الفعلي، في هذا السياق يبدو الحديث عن هذا (الراتب الحقيقي) هو المكمِّل، وهو بلا شك حديث متشعب وليس لمقال قصير أن يحتويه، ولكن وكما يقال (ما لا يُدرك كله، لا يُترك كله). الراتب الحقيقي كما أعنيه هنا هو المنفعة الحقيقية للراتب، بمعنى أنَّ موظفاً يتسلم 8000 ريال على سبيل المثال ماذا يمكنه أن يفعل واقعاً بهذا الراتب؟ من جانبٍ آخر فإنَّ ذات الراتب كيف كانت منفعته من قبل؟ في اعتقادي أنَّ مثل هذا التمثيل وبعيداً عن جفاف التحليل الاقتصادي سيمنح القارئ إلى حدٍّ ما فكرة واضحة عن مستوى راتبه الحقيقي ومستوى التضخم الذي تعيشه البلاد خلال ثلاثين سنة، فالفرد الذي كان يشتري قطعة الأرض قبل 30 سنة بـ100 ألف ريال يحتاج اليوم إلى مليون ريال على الأقل في المدن الرئيسة ليشتري مثلها، والسيارة التي كانت بثلاثين ألفاً هي اليوم بمائة ألف ريال، أما إيجار الشقة التي كانت بثمانية أو عشرة آلاف ريال فهي اليوم بثلاثين وخمسة وثلاثين ألفاً، من هنا فحينما نتحدث عن شخص راتبه قبل ثلاثين سنة 8000 ريال فإننا نتحدث عن شخص يستطيع أن يمتلك بيتاً وسيارة ويعيش حياة كريمة نسبياً، أما حينما نتحدث عن ذات الراتب اليوم فإنَّ البيت من الأساس مستحيل التحقق (سالب بانتفاء الموضوع)، أما السيارة والإيجار وبقية الأمور الأساسية من تعليم جيد وصحة وفواتير خدمات وهاتف وخلاف ذلك فإنَّها تستحوذ تماماً على كل تبقى من راتبه، وبالنتيجة لا تجد فرقاً بين الثمانية آلاف اليوم والألفي ريال قبل ثلاثين سنة، فكما أن صاحب الألفين يعيش حالة كفاف مجردة عن أي أمور ترفيهية أُخرى فإنَّ الثمانية آلاف اليوم هي كذلك تماماً إن لم تكن أسوأ. إنَّ مداخلة الأُستاذ نصرالله في مجلس الشورى هي بالتأكيد أمر غاية في الأهمية ومحل تقدير كافة المواطنين، غير أنَّ المشكلة هي أكبر بكثير من مجرد رفع رواتب وإن كان أول التصحيح هذا الأمر، والمقارنة بيننا وبين دول مجلس التعاون من ناحية الظروف الأخرى هي حسب اعتقادي ما يجب لمحاولة تصحيح هذه الفجوة، فكم هو إجمالي قرض المواطن لديهم ولدينا؟! ما هي أسعار الأمور الاستهلاكية والخدمية لديهم ولدينا؟! إلى آخره من بقية الظروف، حينذاك ستكون الجدوى الاقتصادية للراتب متشابهة، أما راتب عشرين ألف ريال وبيت بثلاثة ملايين ريال يأخذ البنك مثلها كفوائد حين الاقتراض فهي تعني تماماً أن تعيش فقيراً فقط لتحقيق هذا الحلم، وتتحول حياتك إلى عبودية للعقارين والبنوك الذين كان لهم نصيب مهم من الفضل في إفقار المواطنين وإنهاك ظهورهم. ذكرت مداخلة الأُستاذ نصرالله أنَّ متوسط راتب السعودي في القطاع الخاص هو 6400 ريال للذكور، بينما هي للإناث 3900، هذا الراتب كما أظن لا يستطيع أن يلبي للمواطن المتزوج شيئاً في ظل هذا التضخم الكبير، من هنا فمتخرج من الجامعة جاء يزف لوالديه مرتبةَ شرفٍ قد نالها لن تكون في عينيهما المدركة حقائق الأمور إلا شهادة جامعية بمرتبة فقير، حينذاك سيبدو التهكم واضحاً على ملامحهما وإن حاولا إخفاءه حينما يُزين هذا الشاب المتفوق إحدى زوايا المنزل بوثيقة تخرجه الملونة.