المرأة كانت فاعلاً في ثورة كبرى، ولكنها لم تحقق المكاسب المرجوة، بل على العكس تم تهميشها وازدادت وتيرة العنف ضدها بشكل ملحوظ، انتصرت الذكورية أحياناً كثيرة في فرض سطوتها علينا، وانتصرت مقاومة النساء لها في أحيان أخرى، والسبب في ذلك أن المرأة المصرية تواجه أطرافاً كثيرة يتصارعون لفرض هيمنتهم عليها، بمن فيهم من يمكن أن نطلق عليهم حلفاء الميدان الثوريين، كيف عانت وكيف تطورت الأوضاع لنصل للوضع الحالي؟ هو ما سأحاول أن أجيب عنه في السطور القادمة. البداية إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني تم الاحتفاء محلياً وعالمياً بدور المرأة المصرية، فلقد شاركت على قدم المساواة مع الرجال في إحداث التغيير وخلع مبارك، كانت طبيبة في المستشفى الميداني، ومحاربة في الهجمات على الميدان، وأبرزها كانت موقعة الجمل الشهيرة، لم تكتفِ بالمشاركة، بل أيضاً دعت ونظمت المظاهرات، وكسرت القوالب النمطية المعهودة عن دور النساء المقتصر على الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال. مرحلة حكم المجلس العسكري كانت السمة الغالبة لهذه الفترة هي انتهاكات قوات الأمن، فظلت أيضاً النساء ظاهرات بقوة في المشهد السياسي، ما لم يعجب الدولة بالطبع، فقامت بتدبير وتنفيذ عدة حوادث هدفها الواضح هو ترهيب النساء ومنعهن من الوجود في المجال العام، وأبرزها كانت كشوف العذرية؛ حيث قامت قوات الشرطة العسكرية بإجراء كشوفات عذرية على الفتيات بعد فض اعتصام 9 مارس/آذار بشكل مهين وغير آدمي، فضلاً عن تبرير الكشف بوصم الفتيات المعتصمات بإقامة علاقات جنسية -وهو تصرف ممنوع على النساء في مجتمعنا- وتم أيضاً تدبير حوادث تحرش واغتصاب بآلات حادة جماعية منظمة بإتقان للمتظاهرات، ولعلنا نتذكر جميعاً مشهد سحل وتعرية ست البنات، الذي قوبل بالترويج إعلامياً للوم الفتاة لارتدائها "عباية بكباسين"، وهو ما لاقى قبولاً عند قطاع ليس بالقليل من المجتمع. مرحلة حكم الإخوان المسلمين فاجأني شخصياً الاهتمام المبالغ فيه بالمرأة من نواب البرلمان، ليس لإعطائهن حقوقهن المهدرة، بل لمناقشة مضاجعة الوداع وتقنين زواج القاصرات، ومدى أهمية عملية تشويه الأعضاء التناسلية للنساء لتحقيق المساواة بين الجنسين، ومناقشات إعلامية لإرضاع الكبير، ومناداة النائبة عزة الجرف بإلغاء قانون التحرش، وتجاهلهم لحقوق المرأة في الدستور، وضعف نسب التمثيل للنساء في البرلمان واللجنة التأسيسية، وتصنيف مصر كالدولة الأولى عالمياً في التراجع السياسي للمرأة. مرحلة حكم عدلي منصور ازدادت وتيرة العنف الجنسي ضد النساء فتم رصد 186 واقعة اعتداء جنسي في الفترة بين 27 يونيو/حزيران و7 يوليو/تموز، واعتداءات متكررة وصارخة على طالبات جامعة الأزهر وصلت لاغتصاب فتاة بمدرعة شرطة، ولكن تم تغليظ عقوبة التحرش الجنسي، مع استثناء توقيع أي عقوبات على المتحرشين من قوات الأمن المصري بالطبع. مرحلة حكم عبدالفتاح السيسي فترة عبدالفتاح السيسي من أبشع الفترات على المرأة المصرية، مليئة بالحوادث التمييزية ضد النساء، واستمرت فيها الاعتداءات الجنسية وكشوف العذرية وتورط الفاعلين من الدولة في تلك الجرائم، دون أي محاسبة تحت ذريعة الحرب على الإرهاب. أما مواقف بعض من رفقائنا في الثورة كان هو المفاجئ والمخزي، وفيما يلي سأسرد بعضها: يأتي على رأس القائمة استخدام هتافات مهينة للنساء، مثل "عامل راجل ع الصينية وع الحدود يعمل ولية.. قالوا السيسي وراه رجالة طلع السيسي وراه نسوان"، رغم أننا "كنسوان" حليف مهم ومشارك لهم في صراعاتهم ضد السلطة، مطالباتهم للنساء في أغلب المظاهرات إن لم تكن جميعها بالرجوع خلفهم أو بالوقوف بداخل كردون، استخدامهم لخطابات ذكورية سلطوية، كالأرض هي العرض، في إشارة للحفاظ على الأرض كما يتم الحفاظ على عذرية إناث الأسرة من ذكورها وكمصر اتعرت بعد حادث تعرية سيدة المنيا، وهو ما يعد تأميماً لجسد السيدة. وضعف القيادة النسائية في جميع التكتلات والأحزاب والحركات السياسية، وتهميش المطالب الخاصة بالنساء لأنها ليست أولوية -لهم بالطبع-، وتجاهل حوادث الاغتصاب والتحرش الجماعي للنساء داخل الميدان "لعدم تشويه سمعته"، والكثير من الأفعال الأخرى لست في صدد رصدها جميعاً في هذا المقال. النهاية تعد مواقف الثورة المضادة من تهميش للنساء وإرهابهن هي مواقف متوقعة؛ لأن قضية اضطهاد النساء مقوم أساسي من مقومات قيام النظام الرأسمالي الحاكم؛ لذلك يعملون بدأب متواصل لتعزيز كل الأفكار والممارسات العنصرية التمييزية ضد النساء، ويستخدمون كل وسائلهم المتاحة للمرور على أجساد السيدات والحفاظ على تقسيم المجتمع وتفتيته. وبالنظر لتلك الوقائع نجد أن النساء تمت محاربتهن مما يمكن تقسيمه لثلاث جهات رئيسية؛ الدولة بما تتضمنه من سلطات تشريعية وتنفيذية، وقطاع محافظ واسع ومهيمن من المجتمع، ورفقائنا في الثورة الجاهلين بطبيعة الصراع وأهمية الالتحام بقضايا كل المضطهدين، رغم كل شيء فمعركة النساء مستمرة، وطبيعة المرحلة الحالية هي الهجوم القاسي والمتزايد على كل قيم الثورة، ولعل النتيجة الأهم للثورة هي توسيع أفق تفكيرنا وتغييرنا كأفراد حتى وإن لم تتغير السياسات، مما أدى بالتبعية لضراوة القتال بيننا وبين كل من يحاول فرض سلطته علينا كنساء، وانتقائيتنا في اختيار حلفائنا الحقيقيين وإبعاد كل مضطهد منتظر إتاحة الفرصة له من صفوفنا. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.