--> استيقظ من رقاده العميق وفتح عينيه وراح يتطلع إلى السقف بشرود. غداً هو أول أيام التسجيل في الجامعات المحلية وبداية مرحلة جديدة في حياته. ابتسم بفخر عندما تذكر درجاته العالية في الشهادة الثانوية وحمد ربه على فضله. تنهد للحظة بعد أن اقتحمت ذاكرته فجأة أسوار تلك السنين الشاقة التي عاشها بعد دخوله المدرسة الثانوية. ظل عقله يقلب أوراق ذكرياته حتى تسرب إليه طعم مرارة تلك الليلة المريعة وأصُيب بالجزع. الليلة التي جلس فيها يدرس مادة الأحياء وضاق دماغه ذرعاً بجزئياتها عندما كان يحاول فهم أدق تفاصيل التميؤ الأنزيمي والبلمرة وكيفية تكونهم. راح يجري كالطفل إلى غرفة والدته معلناً عجزه عن دراسة الطب في الجامعة إن كانت مادة الأحياء بالثانوية قد صعبت عليه. أخذته الأخيرة في حضنها لدقائق مدركةً معاناة وحيدها من ضغط الدراسة. عاد إلى مذاكرته بعد أن غسل روحه المتعبة من همومها الثقيلة. حاول تناول الإفطار بصعوبة بعد إلحاح شديد من والدته التي اجتاحت مقلتيها دموع حاولت بلا جدوى كبح جماحها. أثارته دموعها الكسيرة وقام من مكانه وجلس عند قدميها يبكي بحرقه من هجرة ستطول وفراق أجبر على خوضه بسبب عدم وجود جامعة في مدينته تكررت نوبات الضعف تلك كل ما عجز عن حل مسألة رياضية، شرح معادلة كيميائية أو حتى اعراب بيت من الشعر. كان المعطف الأبيض والسماعة الطبية والأروقة الضيقة في مستشفى المدينة وقوده وزاده والهواء الذي يتنفس وعونه على تحقيق هدفه. نفض غبار ذكرياته الحبلى بمشاعر مختلطة ليحتل عقله مشهد حلمه الوحيد عندما يعلق شهادة الطب في غرفة أمه. سمع طرقات على باب غرفته وصوت أمه تناديه. قام من فراشه وفتح الباب وقبل رأس أمه بحب ثم ذهب واغتسل. قامت والدته بإعداد شنطة سفر صغيرة لابنها الذي سيسافر إلى مدينة تبعد مئات الكيلومترات للتقديم على كلية الطب هناك. حاول تناول الإفطار بصعوبة بعد إلحاح شديد من والدته التي اجتاحت مقلتيها دموع حاولت بلا جدوى كبح جماحها. أثارته دموعها الكسيرة وقام من مكانه وجلس عند قدميها يبكي بحرقه من هجرة ستطول وفراق أجبر على خوضه بسبب عدم وجود جامعة في مدينته. كان الوداع موجعاً لوالدته وكأن روحها قد نُزعت من جسدها. راح يتذكر مشهد الوداع المر وهو يحدق بشرود في ابنه الذي جلس يقدم في الكمبيوتر المحمول على كلية الطب في نفس المدينة. هٌجٍر الأب و سيٌهجر الابن والسبب جامعة.. جامعة.. جامعة. @Almusadri مقالات سابقة: سسلطان المصادري : -->