كتاب (القرآن والفلسفة) للدكتور محمد يوسف موسى، هذا الكتاب الذي لم يعرف كثيرا في أزمنتنا وعصورنا الراهنة، ولم يعرف كما ينبغي، وكما يستحق أن يعرف وذلك لأهميته وقيمة موضوعه، هذا الكتاب لو كان ينتسب إلى أحد فلاسفة المسلمين القدماء أمثال الكندي أو الفارابي أو ابن سينا أو ابن رشد، لكان شأنه اليوم عظيما، ولاكتسب شهرة واهتماما ممتدا بين الكتاب والباحثين، مسلمين وغير مسلمين، عربا وأوروبيين، على طريقة ما حصل ويحصل مع كتابات أولئك الفلاسفة ورسائلهم ومؤلفاتهم، وبمختلف صور وأنماط الاهتمام، شرحا وتعليقا وتوثيقا وتحقيقا وترجمة، وبالكتابة عنها والدراسة والتحليل والنقد، مع جعلها مادة وحقلا للرسائل والأطروحات الجامعية، وموضوعا لندوات ومؤتمرات وحلقات فكرية وعلمية ودراسية، وغير ذلك. ولو كان هذا الكتاب، ينتسب إلى أحد الأوروبيين أو أحد المستشرقين منهم، لكانت منزلته وشهرته عند العرب والمسلمين مختلفة تماما عما هي عليه اليوم، وهذا ما نعرفه نحن عن أنفسنا، وما نلمسه ونراه، وما يعرفه عنا الآخرون أيضا، وذلك لطبيعة المفارقات الفكرية والنفسية والتاريخية والحضارية، الفاصلة بين الأمم والمجتمعات المتقدمة والمتخلفة، الغالبة والمغلوبة. ولو كانت الفلسفة يقظة وحية في بلاد العرب والمسلمين اليوم، لتغيرت كذلك منزلة هذا الكتاب ومكانته، ولتغيرت أيضا صور وأنماط النظر إليه، وصور وأنماط التعامل معه، ولوجدنا فيه أنه يمثل مكسبا فلسفيا، لا لشيء مهم وخطير في الكتاب، وإنما لأنه يستند إلى القرآن الكريم في الدفاع عن الفلسفة، وهو موقف نادر الحدوث عند العرب والمسلمين المعاصرين، وبهذا الشكل من الحماس والاهتمام الذي عبر عنه مؤلف الكتاب الدكتور محمد يوسف موسى، وبهذا النمط من المحاججة والدفاع الذي ظهر عليه، وتجلى فيه، ومن هنا تكمن أهمية هذا الكتاب، وما فيه من عنصر الإثارة والدهشة. فقد حاول الدكتور موسى بيان أن القرآن كان من أهم العوامل التي دفعت المسلمين إلى التفلسف، وذلك لما اشتمل عليه من فلسفة، سواء ما يتعلق منها بالإنسان، وما يتعلق بالله وصلته سبحانه بالإنسان. ومن جهة أخرى، حاول الدكتور موسى نفي ومحاججة ما ذهب إليه المستشرق الألماني تنمان (ت 1819م)، في كتابه (المختصر في تاريخ الفلسفة)، الصادر بالألمانية سنة 1812م، من أن هناك جملة عوائق وقفت أمام تقدم المسلمين في الفلسفة، منها كتابهم المقدس الذي يتعارض ونظر العقل الحر. لهذا نقول لو أن الفلسفة كانت يقظة عندنا، لتغيرت منزلة هذا الكتاب ومكانته في ساحة العرب والمسلمين.