×
محافظة حائل

إلغاء ترخيص استشاري أهمل متابعة مريضة في حائل

صورة الخبر

أكد الشاعر إبراهيم زولي أنه لم يكن ابناً باراً لكثير من الحشو المنهجي، في المعهد العلمي التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود، الذي كان لا يؤمن سوى برؤية واحدة، مشيراً إلى أنه في الوقت الذي كانوا يقرأون في شرح ابن عقيل لألفية بن مالك آراء النحاة من كوفيين وبصريين، كان منهج الفقه ذا توجه واحد وقول «لا يمكن لنا أن نحيد عنه أو نتخطّاه، لا في حياتنا، ولا في محفوظاتنا». وقال إبراهيم زولي لـ«الحياة»: «نعم فشلت أن أطرح رأيي أمام معلميّ وأصدقائي في تلك الفترة، ذلك أن قولاً مخالفاً لما هو سائد آنذاك يعرضك لتهم شنيعة، ودسّ خفيّ في سلوكك وأخلاقك، وربما يصل الأمر إلى عقيدتك. هذا الفشل في طرح رأي مختلف عما هو سائد، أدّى لعقاب قاس هو عدم ظهوري في النشاطات الثقافية والمسرحية، وحرماني من قول خربشاتي وكتاباتي الأولى ضمن النشاطات المنبرية في المدرسة آنذاك». ولفت إلى أنه «إذا كان النجاح يشبه هلال القرى، فإن الفشل ظلمة حالكة، وندبة في جسد العمر، وهاوية تتجهّم قبالتك. أن تقف سارداً لحكايات التعثر والهزيمة في حياتك فذلك يشبه جلد الذات علناً أمام الناس، حالة أشبه بالقهر الطوعي للنفس، ومن لا يعرف محطّات الفشل في حياته فهو حتماً لم يذق عسل النجاح، أضف إلى أن الإنسان الذي لا يفشل هو الإنسان الذي لا يعمل، ولا يحثّ الخطى صوب الضوء، ولا يعقد حلفاً وثيقاً مع المستقبل». وأوضح أنه إذا كان التعليم في الصغر كالنقش على الحجر كما يردد دائماً «فإن للعبارة وجهاً آخر ينبغي قراءته؛ فما نوعية التعليم الذي كنا نتلقّاه، وعلى يد من؟ إن كان ما تلقّيناه جلّ أو بعضه مدجّجاً بالأخطاء وسوء الفهم، وإذا تمّ تلقيه كذلك ممن ليسوا مؤهّلين، فإنه بالضرورة سينتج آفة كبيرة ومرضاً مزمناً اسمه الجهل، هذا ما نسميه بالأمية الثقافية، زدْ عليهم زهاء مئة مليون عربي لا يعرفون القراءة والكتابة، بما يعادل ثلث الوطن العربي من المحيط إلى الخليج». وقال إن استذكار الهزيمة له طعم حامض في الفم، وشحوب في الوجه واليد واللسان. غالبا ما يكون الفشل رافعة جيّدة للصعود لآفاق النجاح، وذلك ما حدث بعد شهور قليلة من خروجي من المعهد العلمي، إذ شاركت ممثلاً للمملكة شعرياً في مهرجانين أحدهما خليجياً والآخر عربياً في عام واحد. كانت المرحلة ضبابية وملتبسة، ولم يكن لأحد آنذاك أن يكون له صوت خارج السرب. هذا التعليم المختلف والمناهج المتباينة بين مؤسسة وأخرى أدّى لرؤى وتصورات مختلفة لأجيال متعاقبة، وكان عندنا نموذجان من الطلبة بنظرتين للمستقبل تختلف إحداهما عن الأخرى. الطلاب الذين كانوا أصدقاءنا وإخواننا في مؤسسات التعليم العام كانوا لا يشبهوننا في فرحهم، وفي ألعابهم، ولا حتى في أناشيدهم التي يردّدونها، نحن أبناء المعاهد العلمية في تلك الفترة الحساسة والدقيقة من تاريخنا المعرفي في حقل التعليم. أتحدث عن مرحلة بداية الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي وما تلاها. مرحلة كانت تضخّ في عقولنا، وتكرّس في ذاكرتنا كل الفكر الصحوي بحمولاته الإيديولوجية والجهادية، وهذا الفكر بالضرورة تناسل مع الأجيال المتلاحقة، وأعاد فيما بعد إنتاج نفسه وفكره في تنميط الطلاب وفق منظومة التيار المتشدد آنذاك، وضمن خطاب أقلّ ما يقال عنه إنه منغلق، خطاب هيمن على جيل كامل في أجمل سنيّ الحياة؛ مرحلتا الطفولة والمراهقة». وأكد زولي محاصرة حوصر التفكير والاجتهاد «وحتى الإبداع تمّ قمعه داخل أسوار المدرسة، غير أنني خرجت من ذلك. وكنت أذهب لقراءة الروايات العالمية، ديستويفسكي، وتشيخوف، ووليم فوكنر، وأقرأ لكثير من المفكرين العرب أمثال محمد أركون والجابري وعبدالله العروي، وشعراء كسعدي يوسف ومحمود درويش وكانت الساحة الثقافية صاخبة بجدل نقدي خلاّق، على صفحات ملحق الأربعاء، وصحيفة الندوة، وملحق أصداء الكلمة في عكاظ، وملحق اليوم، وملحق صحيفة الرياض. كنت أفعل ذلك بنشوة وانتصار، ومن دون شعور بخطيئة أو ذنب. أدركت أن في تراثنا العربي والإسلامي فكر نيّر يؤمن بالاختلاف، وأصبحت مقولة محمد بن إدريس الشافعي: رأيكم خطأ يجتمل الصواب، ورأيي صواب يحتمل الخطأ. غدت مقولة مثل هذه وسواها شعاراً وأيقونة في مرحلة من مراحل حياتي». ويعتقد الشاعر زولي أن مراجعة فكرية ونقدية لهكذا مرحلة من تاريخنا المعاصر «باتت ضرورة ملحّة لمعرفة أين كنا، وماذا أصبحنا. أدرك جيّدا أن الكثير من شباب هذه المرحلة، وهم يعيشون هذا الانفتاح الفكري والثقافي لا يعلمون كثيراً عن ظروف وسياقات تلك المرحلة التي تجاوزناها جميعاً في عهد خادم الحرمين الشريفين رائد الإصلاح الأول، وعراب حوار الأديان والثقافات، والداعي للحوار الوطني الملك عبدالله بن عبدالعزيز. نعم، الكثير من أبناء المرحلة الراهنة لا يعرفون ذلك، لكن للتاريخ دروس وعبر، والجروح يطهّرها الكي. عندما أتحدث مع طلابي أن جيلاً سابقاً كان يرى التصفيق حراماً، وأن اليوم الوطني كان يمرّ كباقي الأيام، ولا يعرفه إلا معلمو اللغة العربية كموضوع يحضر على استحياء في مادة التعبير، يضحكون كثيراً، يفعلون ذلك وعيونهم على هواتفهم الذكيّة». وقال: نعم فشلت، وفشل معي جيل كامل كان يريد أن يؤسس لمجتمع يؤمن بالحوار، مجتمع لا يرى الآخر عدواً لمجرد اختلاف الرأي. آنذاك كان التفكير خارج الصندوق يعتبر ضرباً من المغامرة التي لا يمكن معرفة عواقبها؛ عواقب قد تمسّك حتى في أكثر أشيائك حميمية وألفة. المضحك والمبكي في آن واحدة أن بعضهم في تلك الفترة كان يرى أن مجرد كتابة قصيدة على نمط التفعيلة، خروجاً على نواميس الكون، وهم يعلمون أن أصحاب المعلّقات ليسوا من العشرة المبشرين بالجنة. وظهر ما سمّى بالشعر الإسلامي ضمن رؤية ضيّقة وأفق محدود». وأشار زولي إلى أنه في المقابل «فإن هذه المرحلة من التجاذب والاستقطاب أسّست لجيل مؤسّس تراثيا، ونظريا، جيل تعلم أن يقرع الحجة بالحجة والدليل بالدليل، جيل أيقن أن في تراثنا صور شتّى مضيئة، وأقوال وليس قول واحد، ورؤى وليست رؤية واحدة. تعدّد خلاق وغنيّ، هو معادل رمزي لغنى وعظمة ديننا الإسلامي الذين أرادوا أن يعتقلوه في زاوية صغيرة، زاوية كانوا يعيشون فيها وحدهم».